بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الشهامة والرجولة تعني كلمة النخوة، والنخوة على أكثر الأقوال رجوحا عند أهل اللغة مختصة بالرجال دون النساء، فهي تعتبر من تمام الرجولة، بل قد يعتبرها الكثيرون أنها هي ميزان الرجولة، فالنخوة هي كل ما تحمله النفس من طبائع حميدة تحمل صاحبها على أفضل الأخلاق وأحسن العادات وأطيب الكلام، وهي تؤدب صاحبها بكل أدب رفيع، وهي أيضا هبته لنصرة كل حق، النخوة هي مقياس الرجولة عند الكثير من شعوب الأرض، ولذا خص بها الرجال دون النساء، وهي خُلق عربي أصيل منذ فجر التاريخ، وقد حث الدين الإسلامي الحنيف على كل خُلق كريم، وكلما زادت أخلاق المرء وعاداته الطيبة زادت نخوته.
فالنخوة هي التطبيق العملي حين الحاجة لما هو مخزون في النفس من صلاح في الأخلاق، وإن اختصاص النخوة بالرجال إنما هو اختصاص لقصد الملازمة بين التطبيق العملي حين الحاجة وبين أن يكون المطبق رجلا، حيث إنه يفترض بالرجل أن يكون أكثر جرأة وأعلى صوتا وأبلغ حجة وأقوى عضلا وأشد شكيمة، وهذا لبنية خَلقه، فاختصاصها بالرجال لقصد الملازمة، ولكن لا يعني ذلك عدم وجود تلك الصفات الحميدة من عدم السكوت على الظلم والنصرة للحق وغيرها في الإناث، ولكن لأن طريق الأنثى في التعبير يكون ألطف من الرجل وسبيلها غير سبيله، فلذلك قال العرب “رجل ذو نخوة” ولقد ذكرت النخوة والشهامة في القرآن الكريم.
وردت صفة النخوة في القرآن الكريم في سورة القصص في حادثة سقيا النبي موسى عليه السلام لمواشي فتاتين قدمتا إلى دلو ماء، فسقى لهما سيدنا موسى، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال، ولم يهن عليه أن تعافر النسوة الرجال أو أن ينتظرن حتى ينتهي الرجال من الشرب، بل تحركت فيه المروءة والنخوة وساعدهما على تحقيق مطلبهما، فقال الله تعالى في سورة القصص ” ولما ورد ماء مدين وجد علية أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقي لهما ثم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير” ونجد ان نبى الله موسى.
تحركت فيه عوامل الشهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال حتى شربت ماشيتهما، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتا، قال فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عُري، وهو متقلد سيفه، فقال “لم تراعوا، لم تراعوا” ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “وجدته بحرا” ويعني الفرس” وفي هذا الحديث ما يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم كان قد جمع له من جودة ركوب الخيل، والشجاعة، والشهامة، والانتهاض الغائي في الحروب، والفروسية وأهوالها ما لم يكن عند أحد من الناس.
ولذلك قال أصحابه عنه إنه كان أشجع الناس، وأجرأ الناس في حال الباس، ولذلك قالوا إن الشجاع منهم كان الذي يلوذ بجنابه إذا التحمت الحروب، وناهيك به فإنه ما ولى قط منهزما، ولا تحدث أحد عنه قط بفرار، وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال “إن النبي صلى الله عليه وسلم لما رأى من الناس إدبارا، قال “اللهم سبع كسبع يوسف” فأخذتهم سنة حصت كل شيء، حتى أكلوا الجلود والميتة والجيفة، وينظر أحدهم إلى السماء، فيرى الدخان من الجوع، فأتاه أبو سفيان، فقال يا محمد، إنك تأمر بطاعة الله، وبصلة الرحم، وإن قومك قد هلكوا، فادع الله لهم” فالنبي صلى الله عليه وسلم رغم عداوة قريش وإيذائها للمؤمنين.
لما جاءه أبو سفيان يطلب منه الاستسقاء لم يرفض لحُسن خلقه، وشهامته، ورغبته في هدايتهم، فإن الشهامة ومكارم الأخلاق مع الأعداء لها أثَر كبير في ذهاب العداوة، أو تخفيفها.