بقلم / د. سلطان حباب الجعيد
تملكني شعور عظيم، وأنا أرى انتشار الصيام في هذا اليوم -حتى من الصغار- وكأنه بالفعل قطعة من شهر رمضان المبارك.
وازداد هذا الشعور عظمة، عندما استدعيت سبب الصيام؛ وهو الشكر والفرح بنجاة موسى عليه الصلاة والسلام ومن معه من المؤمنين.
مما جعله يوماً وصياماً غير اعتيادي، بل هو مظهر عظيم من مظاهر إيمان هذه الأمة بجميع أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام.
وهي الميزة التي لا يشاركهم فيها اليوم على وجه الأرض أمةٌ من الأمم، واختصهم الله بها ﴿آمَنَ الرَّسولُ بِما أُنزِلَ إِلَيهِ مِن رَبِّهِ وَالمُؤمِنونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَينَ أَحَدٍ مِن رُسُلِهِ وَقالوا سَمِعنا وَأَطَعنا غُفرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيكَ المَصيرُ﴾ [البقرة: ٢٨٥]
دعونا بهذه المناسبة نتوقف عند هذا الأصل العظيم من أصول الدين عند المسلمين، وهو الإيمان بجميع الرسل والكتب، لنحاول الكشف عن منطقيته وعقلانيته.
فهو يكشف ويعبر عن نظرة المسلمين للرسل السابقين وأديانهم، فهم يعتقدون أن دينهم واحد، جاء من رب واحد، وكلهم – عليهم السلام- دعوتهم واحدة لا تناقض فيها، وهي عبادة الله وحده لا شريك له، والدعوة لمكارم الأخلاق، ونبذ الفحشاء والمنكر وكل فساد وإفساد.
فهم بهذا يرون أن الدين الذي جاء من عند الله واحد، وكل ما خالفه فهو من انحرافات البشر وتحريفهم، التي تنتقد وتقوّم لا تقر وتتابع ﴿إِنَّ الدّينَ عِندَ اللَّهِ الإِسلامُ وَمَا اختَلَفَ الَّذينَ أوتُوا الكِتابَ إِلّا مِن بَعدِ ما جاءَهُمُ العِلمُ بَغيًا بَينَهُم وَمَن يَكفُر بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَريعُ الحِسابِ﴾ [آل عمران: ١٩].
وهي نظرة تختلف تمام الاختلاف عن نظرة الغرب للأنبياء السابقين وأديانهم، والتي تقوم على اعتقاد صحة جميع الأديان الموجودة اليوم، رغم أنها متناقضة في ذاتها، ومتناقضة ومختلفة فيما بينها.
وهي الصيغة التي يروج الغرب لها اليوم، تحت مسمى ” وحدة الأديان” أو ” الإبراهيمية” أو ما شابه.
وإذا ما أردنا أن نقارن بين النظرتين، أيهما منطقية وعقلانية؛ وحدة الدين كما هي عند المسلمين أم وحدة الأديان كما هي عند الغرب؟.
فسنجد أن وحدة الدين عند المسلمين تقوم على أساس منطقي، وهو رفض اعتقاد صحة أشياء متناقضة، وكذلك رفض نسبة شيء متناقض لله؛وذلك لأن المسلمين يشترطون للدين الصحة، بمعنى لا يجيزون اعتقاد واعتناق دين غير صحيح، يخالف العقل والمنطق، وهو الأساس الذي يقوم عليه عندهم نقد الأديان المخالفة وتمحيصها.
وهذا ما لا تحظى به فكرة ” وحدة الأديان” عند الغرب، فهي تقوم على أساس غير منطقي، قوامه قبول اعتقاد صحة أشياء متناقضة؛ وذلك لأن الدين عند الغرب هامشي وثانوي ولا يشترطون لاعتقاده واعتناقه صحة، فلا ضير أن يتمسك الواحد منهم بدين رغم علمه بعدم صحته ومناقضته للعقل والمنطق.
ويزداد هذا الأمر وضوحاً، في كشف تناقضه، أن المنطق الصحيح عندنا وعندهم، يرفض نسبة أفكار متناقضة لعالم أو مفكر أو عبقري أو أي كبير وعظيم، وإذا حصل ذلك لزم الترجيح والتصحيح، فكيف بعد ذلك يجيزون صدور أديان متناقضة من عند الله وينسبونها كلها إليه ؟!.
بعد كل ذلك يحق للمسلمين هذا اليوم أن لا ينعموا بصيامهم فقط، ولكن أيضاً بمنطقيتهم وعقلانيتهم، إزاء أفكار متناقضة وهشة.
ولو أن المسلمين في هذا الزمن اعتزوا بدينهم، وغاصوا في الكشف عن منطقيته وعقلانيته، بدل التعامل معه بتقليد وجمود، لاستطاعوا الخلوص بفكر مختلف إزاء الأفكار المطروحة اليوم.
وتخلصوا من حالة التبعية للغرب، والتعامل مع أفكاره ومفاهيمه؛ حول الله والدين والحياة والكون والمرأة والسياسة والاقتصاد والاجتماع، على أنها مطلقة ونهائية والوقوف أمامها بعقول معطلة ومندهشة.
وهو الاعتزاز بالذات الراشد، الذي أراده نبيها عليه السلام لها في مواطن ونصوص كثيرة، ومنها هذا اليوم عندما أمرهم بمخالفة اليهود بصيام يوم قبلهم أو يوم بعدهم، لتبقى أمة مميزة ومتمايزة، ولا شك أنه معلم حضاري عظيم عند كل أمة تحترم نفسها وتعتز بها.