د. محمود محمد علي
من منا لم يشعر يوما من الأيام بأنه عاهر أو عاهرة؟..هل هناك امراة لم تشعر في لحظة بأنها عاهر وتغتصب من قبل زوجها لأن مشاعرها ماتت نحوه وهو يشتمها ويضربها في الصباح ويطلب جسدها وروحها في الليل ؟..هل هناك امراة لم تشعر في لحظة بأنها عاهر وتغتصب من قبل زوجها بعد أن ماتت مشاعرها نحوه ولا تستطيع الانفصال عنه بسبب الدين أو الاطفال أو الأهل أو المصالح المادية بينهم من شركات أو للحصول على الإقامة الأوروبية أو الجنسية الامريكية؟ .. هل هناك امراة لم تشعر في لحظة بانها عاهر وتغتصب من قبل زوجها بعد أن هددها بالقتل إذا انفصلت عنه وحين يحل المساء يطلب جسدها وروحها ؟.. وهل هناك رجل لم يشعر في لحظة بانه عاهر ويُغتصب من قبل زوجته بعد أن ماتت مشاعره نحوها لأن روحه مع حبيبته البعيدة عنه ؟..هل هناك رجل لم يشعر في لحظة بانه عاهر ويُغتصب من قبل زوجته لأنه يقدم لها جسدا بلا روح ولا مشاعر حيث قُتلت في الحروب والاعتقال والتعذيب؟.. هل هناك رجل لم يشعر في لحظة بأنه عاهر لأنه يخون زوجته أو حبيبته أو ينام مع نساء أُخريات؟..
جميعنا يتجاهل بأن العهر ليس فقط بالجسد بل أيضا بالفكر. من منا لم يشعر في لحظة بأنه عاهر فكرياً ؟ .. يقول أشياء لا يؤمن بها لأنه يريد الحصول على نفوذ ومنصب مهم في الدولة أو عند الرئيس والمدير؟ وأول العاهرون فكرياً هو ذلك المثقف الذي يدافع في كتاباته عن حرية المرأة ومساواتها مع الرجل وفي نفس الوقت يتهم أي امراة متحررة بانها عاهرة عندما لا تعجبه ملابسها أو طرحها لقضية هي تؤمن بها .. فالعاهرة كلمة خلقها العاهرون لكي يدافعوا عن عهرهم .
هل تتفقون معي أننا في زمن طغت عليه المصالح الشخصية على العلاقات الاجتماعية يعني مصلحتك عند فلان أو علان فلا مانع ان تنافق وأن تكذب وأن تتملق لهذا الشخص. مع أن رأيك كان مختلف بشكل كبير البارحة، وعلى قول المثل ” إمبارح كنت تقطع فروته واليوم تقبل دعوته ” في حياتنا التي نحيا العديد من الأشخاص يلبسون ثوب الصداقة المطرز بالمجاملات للاستفادة من غيرهم في قضاء أمورهم، يتفننون بلعب دور المحب المحافظ على المودة، لكن وبمجرد انتهاء المصلحة تنتهي الصداقة المزيفة التي باتت متعلقة بالمصالح الشخصية لا غير.
تقول سلام خباط في كتابها ” البغاء عبر العصور” عن تعريف مهنة البغاء بإمتاع الباغي الرجل جنسيا ، موضحة أن تلك مهنة قديمة ومنذ الأزل قدم الإنسان نفسه ، وفي سياق آخر كُشفت كثير من الآثار والرسومات الجنسية لكل من مصر القديمة وروما وحتى اليونان في عهد الإغريق ولعل الإغريق كانوا الأشهر في إشاعة الدعارة وتنظيمها ، ففي عهد سولون العظيم الشاعر الإغريقي الشهير قننت الدعارة وأُبيحت من كلا الجنسين وفق قوانين محددة .
وعليه إن العهر بإسقاطه الجنسي يعد من أقدم الممارسات الجنسية التي شاعت منذ تلك العصور .. ولكن ماذا عن اسقاطاته الأخرى؟
في الحديث عن العهر لابد لنا أن نستحدث الحوادث التي هزت التاريخ القديم ، حيث أحرق إمبراطور عظيم ، لقب بالمجنون مدينته بشعبها وقتل كبار ضباطه ، متجاوزا قرار مجلس الشيوخ ، بهدف إعادة بناء روما على طريقته الخاصة مثل باب الدوق كما تقول بعض الروايات ، في حين تسود أخرى أن نيرون معروف منذ توليه سدة الحكم بالتهور والاستبداد ، فقد قتل أمه بناءا على طلب عشيقته ، ثم عزل مستشاره وأمره بالانتحار، ولاحقا أمر مدينته بغية بناء قصر ذهبي له ليغطي ثلث مساحة روما .
وبغض النظر عن نية نيرون سواء أكان هدفه إعادة بناء روما أم قصره .. في الحالتين ، الغالب لا تبرر الوسيلة هنا ، فهل يُبرر العهر كوسيلة لبلوغ تصورات نبيلة يمكن أن يكون ضحاياها آلاف الأرواح ؟ .. قس على ذلك الكثير من العهر المبطن ، بالنبل الذي يُمارس ضدنا في منابر مسؤولينا وقاداتنا وفي شعارتهم وحياتنا على كافة الأصعدة السياسية والاجتماعية والثقافية والاقتصادية .. عهر بلبوسه القيمي ، والأخلاق والأهداف السامية التي ـأتينا من كل حب وصوب ، فأين المومياسات من هذا العهر .
إن وصفنا العهر على أنه بيع القيم العليا للفرد ، مقابل قيمة مادية دنيا ، فهذا ما يمكن اسقاطه على الأخلاق أيضا ، فمن يبيع أخلاقه مقابل المال ، فهو عاهر ايضا ، ولكن من منظور أخلاقي ، فمثلا نجد على مواقع الشوسيل ميديا هذه الأيام ، هناك من يظهر أمه على الإنترنت ، ويقوم بصفعها وإهانتها وذلك لجمع الليكات والمشاهدات التي يدعي أنه يجلب لها المال لإطعام أمه التي صفعها ، وما من وسيلة لغير ذلك سواء بالاتفاق مع الأم أم لا ؟.. الفيديو حقيقي أو تمثيل للحصول على المال المسمى ” لقمة العيش ” .. أليس ذلك في الحالتين يسمى عهر بامتياز سواء بالوسيلة أو بالمبدأ .