مفهوم الأمانة الشامل


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن العوام يقصرون مفهوم الأمانة على حفظ الودائع فقط، مع أن حقيقتها في دين الله أضخم وأثقل، وإنها الفريضة التي يتواصى بها المسلمون برعايتها، ويستعينون بالله في حفظها حتى إنه عندما يكون أحدهما على أهبة السفر يقول له أخوه أستودع الله دينك وأمانتك وخواتيم عملك، فعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال قلما خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا قال “لا إيمان لمن لا أمانة له، ولا دين لمن لا عهد له” وقد سار الصحابة رضوان الله عليهم على المنهج وعلى حفظ الأسرار فروي عن أنس بن مالك رضى الله عنه أنه تأخر على أمه ذات يوم فقالت ما أبطأك؟ قلت بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلم في حاجة، قالت وما هي؟ قلت إنها سر، فقالت المؤمنة الواعية الذكية البصيرة، لتعطي درسا للأمهات في تعليم الطفل حفظ الأسرار، قالت له لا تخبرن بسر رسول الله صلى الله عليه وسلم أحدا، والأمانة تشمل الدين والطاعة والفرائض والحدود.

فإن قام بها الإنسان أثيب، وإن تركها عوقب، والأمانة خلق الأنبياء جميعا والصالحين، فقد كانت هذه الصفة ملازمة للأنبياء قبل نبوتهم، والرسول عليه الصلاة والسلام كما نعرف سمي بالصادق الأمين قبل أن يرسل، وكذلك نبى الله موسى عليه السلام قبل أن يرسل حين سقى لابنتي الرجل الصالح كان معهما عفيفا أمينا فقال الله تعالى فى سورة القصص ” قالت إحداهما يا أبتى أستأجره إن خير من استأجرت القوى الأمين” وإن للأمانة ثمرات عديدة منها أن الإنسان الأمين يحبه الله ورسوله، وكذلك أعد الله تعالى للأمين منزلة عظيمة في الآخرة وهي جنة الفردوس، وإن الأمانة توجد الثقة والطمأنينة بين أفراد المجتمع وتقوي أواصر المحبة والأخوة والتعاون بينهم، وإن من معاني الأمانة وضع الشيء في المكان الجدير به والأليق له، فلا يسند منصب إلا لصاحبه الحقيق به، ولا تملأ وظيفة إلا بالرجل الذي ترفعه كفايته إليها، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

“من استعمل رجلا على عصابة وفيهم من هو أرضى لله منه فقد خان الله ورسوله والمؤمنين” وجاء رجل يسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم متى الساعة؟ فقال له “إذا ضيعت الأمانة فانتظر الساعة، قال كيف إضاعتها؟ قال صلى الله عليه وسلم “إذا وسد الأمر إلى غير أهله فانتظر الساعة” فالأمانة تقضي بأن نصطفي للأعمال أحسن الناس قياما بها، فإذا ملنا عنه إلى غيره لهوى أو رشوة أو قرابة، فقد ارتكبنا بتنحية القادر وتولية العاجز خيانة فادحة، وإن من الأمانة هو حفظ الجوارح، ومنها حفظ النظر، فلا تنظر العينان إلى محرم، ولا تستمع الأذنان إلى محرم من آلات اللهو والموسيقا وقد دخلت المعازف في كل القنوات الفضائية حتى مع الأخبار والبرامج المعرفية المفيدة، وقد قال صلى الله عليه وسلم “ليكونن من أمتي أقوام يستحلون الحر والحرير والمعازف والقيان” وكذلك فإن السمع أمانة أن يصان عن الغيبة، وهى فاكهة المجالس ولعياذ بالله.

ومن الأمانة عدم الهمز واللمز والإشارة بالتنقص أو التحقير، ويكفي حديث أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله تعالى عنها قالت للنبي صلى الله عليه وسلم”حسبك من صفية وهى زوجته وأشارت بيدها إلى قصرها” فقال صلى الله عليه وسلم “قلت كلمة لو مزجت بماء البحر لمزجته” وأما القلب فله اعتبار خاص في الأمانة وحفظها، فهو سلطان الجوارح، فيقبل ما يرد عليه أو ينفي، وهو المعني بالإثم الباطن، وهو التفكير في المحرم، فالأمانة، من الألفاظ القرآنية المعجزة الدلالة، ولو ألفت في مجالاتها مجلدات ما وفتها حقها، ويكفي أن نقول أن الأمانة حفظ ما حرم الله في السر والعلن، والرجل المناسب في المكان المناسب، فقد قال صلى الله عليه وسلم “إذا وسّد الأَمر لغير أهله فانتظروا الساعة” فالرجل المناسب في المكان المناسب، فلا تسند الوظيفة إلا لمن هو أهل لها، لغرض أن تبرز كفاءته وصفاته، فالنبي صلى الله عليه وسلم اعتذر لأبي ذر رضي الله عنه.

لما طلب منه أن يستعمله، بل حذره من خطر ذلك عليه مما عرفه عنه صلى الله عليه وسلم، فعن أبي ذر رضي الله عنه قال، قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم “يا أبا ذر إني أراك ضعيفا، وإني أحب لك ما أحب لنفسي، لا تأمّرن على اثنين ولا تولين مال يتيم” وعنه قال قلت يا رسول الله ألا تستعملني؟ فضرب بيده على منكبي ثم قال صلى الله عليه وسلم “يا أبا ذر إنك ضعيف، وإنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة إلا من أخذها بحقها، وأدى الذي عليه فيها”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.