مدد يا رئيسة الديوان .. مدد

بقلم / د. فرج أحمد فرج

لا تقرص علي الزهر – انا لا اقرص !
دي حرفنه في الرمية وزاوية الزهر هي اللي بتجيب الدوباره – ضحك سعيد ضحكة سخرية
انت محظوظ !
رد تيجي نبدل .. تاخذ حظي واخذ حظك ؟
ليه بتقول كده يا صاحبي ؟
اقول لك ايه ؟
بعد العمر ده كله .. احسست انني مهمل وعلي الهامش .
لا تقول هذا الكلام .. فانت ملئ السمع والبصر .
هو ده الشكل يا سعيد .. هذا اللي فضل لي في حياتي !
ياه .. ده انت مثقل قوي باللهم .
تعالي .. واحكي لي .. وزيح من علي قلبك .
انت مش ناقص .. كفاية دعامات قلبك في معظم شراينك .
وانزووا واصبحوا في معزل عن اعين الناس ومسمعهم .. وطلبوا قهوة مظبوطة وماء مثلجا
اخذ طاهر .. نفسا عميقا وزفره علي تمهل وهدوء ,,
يا تري احنا بنعيش الزمان ولا الزمان هو اللي بيعشنا !
بعد ان وصلت لهذا العمر ومايقرب علي زواجي قرابة خمسين عاما ، ما زال يسيطر عليا نفس الشعور بالتنحي والبعد فكريا وعاطفيا وجسديا بيني وبين رفيقتي ولا زالت نظرتها البروجوازية والتعالي لم تتغير رغم مرور هذا الزمان .
يا رجل لا تدخل الشيطان بينكم فقد عشتم ردحا من الزمان ليس بالقليل .. وجئت تتذكر هذا الكلام الان ؟
وضع يده علي خده وسرح قليلا .. واومأ برأسه يهزها .. يا مبارك ..
وحينما ذكر كلمة يا مبارك وهاتك يا ضحك .. ايه كلام الطرابيش ده
حضر النادل بالقهوة والماء المثلج ..
اشار عليه سعيد .. انظر علي هذا الشاب الجميل ده وتذكر عبده افيونه اللي كنا بنقعد عنده في القهوة ونشرب الكوكاكولا المثلجة ونشرب الشيشة وننفس الدخان ويعبئ المكان .. وكنت ايضا محظوظ في الطاولة .
هذه المقارنة .. هو الزمان وتغيراته الذي يحدثه فينا في الشكل والتفكير والطموح ونظرة الباقي من عمرنا .
وانت تقول لي يا مبارك .. دي كلمات اصبحت ملغاة ومشطوبة من لغة الحوار الان النادل واقف يسمع الكلام ومش فاهم حاجة وايه دخله في حوارنا .. وايه اللي دخله فيه .
بصوت متهدج .. صاح النادل حاجة ثاني يا بهوات ..
لا يا بني .. شكرا .
وانصرف ينادي علي طلبات اخري لزبائن اخرين .
لا زالت تشعر بالغيرة الشديدة لمجرد ذكر اسم اية امرأة امامها
وهي لم تراها ولا تعرفها وتقوم القيامة والحريقه تبتدي .. وسيل الاتهامات ..
وتوجه صياحها انت طول عمرك كده .. وعمرك ما حيتعدل حالك ..
فأنت لم تعرف النساء المحترمات ..لان ذوقك متدني .. ويصل بها الحال ان تتهمني في الخادمات .
رغم اني لم اتواجد يوما في المنزل عندما يكون عندها خادمتها الاسبوعية لتنظيف البيت الكبير مرة او مرتين في الاسبوع .
اهو اتهام وخلاص !
يا ويلك ويا ظلام ليلك لو ذكرت امامها رقم من الارقام بالصدفة او عفوي من الارقام التي بها صلة بالحسد .. قال يعني ايه بتخمس .. وتنهال عليك بتخمس علي ايه .. وانت حيلتك ايه .. ده انا اللي عملتك ولولا وجودي كان زمانك شحات .
تمر تلك الاحداث مرور الريح علي تلة وتنزلق ولا تتوقف حتي تسير الرياح بكل ما تحمله من اتربه او اية روائح .. حتي اصبحت وتيرة الحياة هكذا .
الانا لديها وانفها العالية معظم الوقت في الذروة .. وتذكرك انها من القاهرة الاصيلة وانت من اول محافظة في الوجه البحري .. يعني انت فلاح .
فلاح يعني انت لن تفهم مثلها .. فلاح يعني خبيث .. حسود .. جعان ولا تشبع .. فلاح يعني انت مقزز وريحتك وحشه .
واصطبغت حياتهم بالتعالي وانها بتتعامل مع فلاح
ولاتنسي تماما انها لم تكن يوما اختيارها الاول من النساء في حياتك .. وتتغافل ان هذا الفلاح كان رابع دفعتها وانه تقدم لزميلتها والتي كانت صديقتها .. فقد كانوا دفعة واحدة وبنفس القسم في الكلية .
وبرغم ان دراستهم خمس سنوات بالجامعة الا انه لم ينظر لها يوما.. نظرة غير زميله فقط ولم يرقي نظره لها لدرجة التقرب والاعجاب .
اعتدل سعيد وظل ينصت له بكل اهتمام ..
انت تقول اشياء مخفية عني تماما وكأنني اسمعها لاول مرة .. وطوال صداقتنا لم تقول يوما انك قد تقدمت لخطبة زميلتك والتي كانت صديقة زوجتك .
طيب ما هي معها حق ان تتعامل معك .. انك لم تراها انثتك طوال دراستكم وانك اخترت صديقاتها والتي كانت تراها انها اقل منها انوثة وجمالا ومع هذا انطلقت سهامك لاخري .. وهي تعرف عنها كل شيئ
وللاسف لم تتم هذه الخطبة لظروف ضيق اليد ورفضتني اسرتها وخاصة امها واخيها الذي استدعوه من ايطاليا خصيصا لهذا الامر ..
مع ان هذه الفتاة هي التي اخترتني واخطرت والدها .. قبل ان تخطرني .. بأنني وقع عليا الاختيار دون زملائنا الاخرين .. رغم انني لا املك شيء .. ولكن كان ينتظرني مستقبل اكاديمي وخاصة بعد ان وقع عليا الاختيار لكي اكون معيدا في قسمي وبنفس جامعتي .
ورشحتني تلك الفتاة لابيها .. وكان رجل زاهدا ويتبع احد الطرق الصوفية ومن محاسيب السيدة زينب رضي الله عنها ، وحددت لي موعدا لمقابلته بعد صلاة المغرب لاحد الايام في مسجد السيده زينب .. و لم اكن رايته من قبل كي اعرفه.. وقلت لها كيف سيعرفني واعرفه .
بعد صلاة المغرب ادخل المقصورة واقرء الفاتحة واسند ظهرك علي الحائط واقرء
فواتحك واورادك .. هو سيعرفك وسيحضر اليك .. لا تشغل بالك بهذا الامر .
وفعلا حدث هذا اللقاء بين شاب ورجل كبير .. كل واحدا منهم يتبع طريقة من الطرق الصوفية .. والمشايخ يعتبرون ذلك مدعاة الا يلتقيان .. ابناء هذه الطريقة باخري ومع ذلك حدث اللقاء وبمجرد الرؤية الاولي استبشر الشيخ ابو الفتاة وعمه البشر والسرور – وانشرح صدره بمجرد ان جلس بين يديه وتبادلا الحديث .. وكان هناك بشري اثلجت صدره ونحن متجاورين ونفتح اكفنا لقراءة الفاتحة .. مر علينا رجل ووضع بيدي ويده قطعة عملة نحاسية جديدة .. وكدت اهم ان ارد هذه العملة .. الا ان امسك شيخنا يدي واخفضها لاسفل .. وهمس في اذني بعد ان سمعني اقول هو الرجل ده يرانا متسولين وغلابه ..
نعم هو يرانا هكذا .. وانت في حضرة ست الديوان ام العواجز اقبل اي حد يعطف ويحن عليك يا عبيط .. دي بشرة خير .
وبعد عشرات السنين حدث معي نفس الشيئ – فقد كنت اقضي مأمورية بالقرب من مقام سيدة الديوان السيدة زينب – والبس ملابس رسمية بدلة انيقة وكرافتة .. انا في حضرتها …تستأنس روحي واهيم في ملكوته .. غير عابئ بما خارج هذا المكان .. هنا ارمي همومي وحمولي واتطهر وامسح بنور فيضها خلجات نفسي .
كفى بزينب فخرا انها اخذت من علم جدها رسول الله ..ومن شجاعة ابيها علي. ومن صلابة امها فاطمه .ومن حلم اخيها الحسن.ومن جهاد اخيها الحسين .. فاصبحت ملتفى فضائل اهل البيت عليهم السلام جميعا . كانت زينب عليها السلام سيف الحسين الناطق.
اللهــم صـلِ علـى محمــد وآل محمــد الأئمــه والمهدييــن وسلــم تسليمــاً كثيــراً
السلآم على ابنة الدلآئل الوآضحآت والآيآت البينآت والمعجزآت البآهرآت والبرآهين الظآهرآت
السلآم على المولودة في معقل العصمة والتقى ومهبط الوحي والهدى والموروثة عظيم الفضل والندى
سلآمٌ على المرأه الصآلحة والمجآهدة النآصحة والحره الأبيه والنبوه الطآلبيه والمعجزه المحمدية والذخيرة الحيدرية والوديعة الفآطمية
سلآم على سيدتنآ ومولآتنآ زينب بنت أمير المؤمنين علي ابن أبي طآلب ورحمة الله وبركآته.
كنت اناديها هكذا كل ما خطوت في حضرتها الطاهرة – وانا مسندا علي عمود من اعمدة المسجد – دخل رجال مدججين بسلاح في جنبهم وبملابس موحدة في بدل ونظارات سوداء .. مثل دخلة السينما لرجال المخابرات ونادوا علي كل من في المسجد كله يجلس ويستكين في مكانه ولا يتحرك .. وبعدها دخل رجال بالترتيب مصطفين يوزعون علي كل من في المسجد لفافة لكل واحدا في مجلسه .. توجه لي احدهم واعطاني لفافة .. فقلت له شكرا يمكنك ان تعطيها لاي احد اخر .. ذغر.. لي بعين فاحصة .. ياهندسة .. هذه نفحة .. اقرء الفاتحة وادعي لمانحها ..
تذكرت شيخي ابوالفتاة التي تقدمت لخطبتها زمان .. لا ترفض نفحات الست في حضرتها .
جلست افتح اللفافة واذ..هي لفافة لحم مطهي في رغيف كبير ياكله خمسة افراد وليس واحدا
وتذكرت ليلة ان اصطحبني بعد صلاة العشاء مشيا علي الاقدام من المقام الي الحسنية حيث مقر شيخ طريقته .. وكأني سأحضر امتحان من لجنة المشايخ .. وعرضني عليهم في حضرة بدات بالطعام ثم الاوراد جالسين
اعقبها حلقة الذكر بطريقتهم التي اعتادوا عليها متوارثين ذلك من شيخ الطريقة .وفي حضرة المشايخ الكرام تهلل وجههم وازداد حبورهم وثبت يقينهم .. وفي سرية بعيدا عني اعطوا ابو الفتاة التبريك والترحيب وارتضوني لهذه الفتاة باجماعهم .. وكان هذا بمثابة تصريح منهم لاخيهم في الطريقة .
ولكن اتت الرياح بما لم تشتهي السفن ولايحمد عقباه .. لم ارقي عند امها بالقبول واصبحت عقبة ضد اكمال هذه الخطوبة .. وتحججت ان ابنها استدعته من ايطاليا كي يشاركهم الراي ورؤيتي – ثم يجتمعا ويخرجون براي ..
اعرف ان الام دائما تطمح لابنتها عريس غني ولا ينقصه شيئ ويستطيع ان يلبي كل طلباتها بينما انا لا فوقي ولا تحتي وايش تاخذ الريح من البلاط .
وبعد ان حضر اخوها دعيت للغداء .. واعتبرت ذلك انفراجا في عقدة امها .. ولكن وجدت شابا متفرنج جلس معي في حضرة ابيه .. وامسك راس الحديث وزمام الامر وبدء حديثة
انا لا امانع في خطبة اختي منك ..
ولكن .. لابد ان اعرف منك مبدئيا .. دخلك الشهري ..
استبشر فانا مرشحا ان اكون معيدا بالجامعة ..
فتح الشنطة السيمسونيت واخرج منها الة حاسبة .. ونظر..لي بنظرة المنظرين والمحاسبين القانونين .. نحسب مع بعض ونفترض .
قول .. سيكون مرتبك في حدود خمسون جنيها في الشهر .. اذا سيكون دخلك في السنة 600 جنية مع افتراض انك ستدخرهم كلهم ولم تصرف منهم اي جنية وظل يحسب ويضرب في عدد السنوات والافتراضات وشبكة ومهر وشقة وفرش في مكان متواضع .. الاله الحاسبة بتقولك انت يا دوب امامك 30 سنة كي تحضر لكي تخطب اختي ..
وانا اجلس صامتا دون ان انبس ببنت شفا .. وانظر للرجل الطيب ابوها وكاني اقول له
قول حاجة؟ لماذا صمتك هذا ؟
الم تقل شيئ .. وتلجلج ومع انفاسه الاهسة وراء الكلمات ، نطق يا بني مش كده الرجل اللي امامك .. طيب ومحترم ومستقبله امامه .. ومحدش يعرف غدا فيه ايه .. ؟
انبري اخيها في عدلته .. ونظر لابيه نظرة المقرز وبلهجة ساخرة .. انا لا افهم في كلام الدراويش والمشايخ بتاعكم ده ..
اعلم جيدا انك اصطحبته للمشايخ بتوعك في الطريقة ..
انا لا اؤمن الا بالالة الحاسبة والاحصاء والتخطيط والعلم ..
لا مكان عندي بكلام الدروايش ..
ليس بالدعاء وزيارة الاضرحة والمشايخ وتتطوحوا في الذكر .. تسير الامور
انتظرته حتي فرغ وقلت… له ده اخر كلامكم ؟
رد بكل تاكيد !
هذا قرارنا !
اذا ماهو ..رأيها هي؟
ليس لها قرار !
كلامك معي .. انا .
حدقت فيه بعيون مغتاظة
نعم يا استاذ .. انت اسمك ايه ..
نسيت اسال عن اسمك .؟
اعتبر كلامي اهانة له .!
سأقول لك .. ما قاله ابوك .. لعل الله يغدق عليا من رزقه غدا .
“كل يوم هو في شأن “صدق الله العظيم
اعتبر كلامي امتدادا لابيه .. وخاصة بعد ان نعتنا بالدراويش .
وقفت من مجلسي
تسمحوا لي بالانصراف .. كي الحق مدة ال30سنة .
بعد ان ضحكت وههممت بالانصراف
وفور خروجي من الباب – انتابتني كريزة ضحك بصوت عالي وظللت اضحك طوال سيري بالطريق حتي غادرت .
ارتشف سعيد رشفة ماء طويلة .. وبعد نفس عميق .. ياه يا طاهركل ده .
ولكن انا لم الحظ عليك يوما انك من الدراويش والمحاسيب .
لا.. بل يا سعيد انا في حضرة سيدنا النبي والاولية طفل صغير يحتاج حضن امه كي يشعر بالامان .
ظلت هذه التجربة عند زوجتي .. التي كانت تعلم احداثها لحظة بلحظة حائلا بين قناعتها بأنها لم تكون اختياري الاول .
فدائما الاقدار تلعب معنا ما هو مكتوب .. فزوجتي تشاء الاقدار تسافر لدولة خليجية تعمل بها مدرسة قبل ان اتزوجها .. وانا الحق بها بعد سنة حيث تقاربنا وتزوجنا في هذه البلد .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.