د. محمود محمد علي
فجأة وبينما العالم منشغلا بما يحدث في غزة ولبنان وأوكرانيا ، اتحدت فصائل المعارضة السورية والتي يطلق عليها الحكومة الرسمية في دمشق بأنها ” قوى إرهابية ، اتحدوا جميعا ومعظمهم إن يكونوا جميعا حلفاء لتركيا مع قوى متأسلمة في إدلب ، وشكلت ما يسمى بإدارة العمليات العسكرية ، وذلك كي تبدأ هجوما مفاجئا في 27 نوفمير من الشهر الماضي على مواقع الجيش السوري في ريف حلب الغربي ، وذلك بعد هدوء دام ما يقرب من خمس سنوات ،وبالتحديد منذ مارس 2020.
وقد اسفرت العملية والتي كانوا يطلقون عليها ردع العدوان والتي حدثت منذ الشهر الماضي عن سيطرة المعارضة السورية على مساحات شاسعة من ريفي حلب الغربي وإدلب الشرقي خلال مدة قصيرة أي أقل من 48 ساعة على بدء الهجوم .
وقبل 27 نوفمير الماصي كان هناك تراجع للميلشيات الإيرانية وميلشيات حزب الله تحت الضربات الإسرائيلية في سوريا ؛ أي كان هناك فراغا . وهناك كذلك الدعوات المتعددة من قبل تركيا لعقد لقاء ما بين الرئيسين ” أردوغان” ، و” بشار الأسد” ، مع رفض بشار لأي لقاء بأردوغان ، إلا بعد أن تنسحب القوات التركية من شمالي سوريا ، وهناك الرئيس الأمريكي ” دونالد ترامب ” الرئيس الجديد – القديم القادم من البيت الأبيض خلال الشهر المقبل بأجندة غير متحمسة للإنخراط الأمريكي في المستنقع السوري ، وقد سحب روسيا بعض وحداتها من سوريا لساحة الحرب في أوكرانيا مع إلغاء ميلشيات فاجنر ، وهناك كان يوجد تحذير قبل هذه العملية بيومين لـ” نتنياهو ” بأن بشار الأسد يلعب بالنار.
ما أقوله هو جزء من الظاهر على مسرح العمليات في سوريا ، لكن الكواليس كثيرة والفاعلون الذين سيقومون بعكس ما يفعلون يعبثون من خلف الستار ، ولهذا نحاول هنا في هذا المقال أن نفسر ما الذي حدث ، وما الذي يحدث ، والذي سيحدث في الدقائق القادمة؟
دعونا نعرف ما الذي حدث أولا في سوريا ، وما الأطراف الرئيسية والفرعية والمتصارعة هناك على حسب تصور الدكتور معتز عبد الفتاح .
أولا: أنتقال الجحيم العربي في سوريا : كلنا يعرف كيف بدأت الحرب السورية بعد أحداث الربيع العربي في 2011 ، وذلك بعد اندلاع احتجاجات سلمية في مدينة درعا ، متأثرة بالموجة والتي قد أطلق آنذاك ” الربيع العربي” والذي قد تحول لحجيم عربي ، حيث خرج المتظاهرون يطالبون بالاصلاحات السياسية والحريات العامة في سوريا .
إلا الحكومة السورية قد ردت على هده الاحتجاجات بعنف ، مما أدى إلى تصعدي الموقف وتحوله إلى نزاع مسلح .
ثانيا: تحولت الاحتجاجات إلى حرب ، فمع ازدياد القمع والعنف ، انشق بعض أفراد الجيش السوري ، وذلك كي يشكلوا ما أسموه آنذاك ” الجيش السوري الحر” ، والذي يمثل المعارضة المسلحة في البدية ، لكن الصراع تعقد مع ظهور جماعات متأسلمة ومتشددة مثل “جبهة النصرة” والتي كانت امتدادا للقاعدة ، وداعش .
ثالثا: تحول المحلي إلى إقليمي ودولي فتدخلت قوى دولية وإقليمية في الصراع ، فدعمت إيران وحزب الله وروسيا الحكومة السورية ماليا وعسكريا ، وفي المقابل دعمت الولايات المتحدة وتركيا جماعات معارضة مختلفة في النظام الرسمي في دمشق ، كما تدخلت تركيا عسكريا في الشمال السوري بهدف منع تشكيل كيان كردي مستقل .
رابعا : حدث تحول مدني إلى الطائفي ؛ بمعني أنه في 2014 سيطر تنظيم داعش على أجزاء كبيرة في سوريا والعراق ، معلنا قيام الخلافة الإسلامية ، وأصبح محاربة داعش ، أولية دولية وإقليمية ، وفي حينها قادت الولايات المتحدة الأمريكية تحالفا دوليا لاستهداف التنظيم ، وبحلول 2019 فقد التنظيم جميع أراضيه في سوريا ولكن خلاياه النائمة كانت ولا تزال نشطة .
خامسا : حدث فشل في التحول من الصراع العسكري إلى الحل الدبلوماسي ، حيث كانت هناك محاولات لحل الصراع العسكري دبلوماسيا ،لكنها للأسف فشلت لأن المعارضة تصر على رحيل بشار الأسد ، بينما تعتبره الحكومة الرسمية في دمشق أن بقاءه شرط أساسي لأي حل محتمل .
ومؤخرا طلب الرئيس التركي أردوغان مقابلة الرئيس بشار الأسد كي يتم المشاكل التي بينهما ، بما فيها حوالي 3 مليون لاجئ سوري يعيشون في تركيا ، فضلا عن أن تركيا سيطر على فصائل موالية لها ، وهؤلاء يعيش بينهم حوالي 7 مليون وسري ، يعني حوالي 10 مليون سوري يشكلون حوالي 40 % من الشعب السوري والبالغ تعداده 24 مليون تقريبا ، يعني 40 % من الشعب السوري تحت إدارة إما تركية او فصائل موالية لتركيا ، وهذه ورقة رابحة في يد تركيا .
ولكن الرئيس بشار الأسد اشترط إنسحاب القوات التركية أولا قبل اي اجتماع بينهما ، ومن هنا يرى البعض أن بشار يستخدم الأكراد ضد تركيا ، وأردوغان يستخدم المعارضة الموالية له ضد سوريا .
سادسا: تحول ما هو عسكري إلى جيوسياسي ، وبناءا على ما تقدم تجزأت سوريا إلى ثلاث مناطق نفوذ ، وكان يراها البعض دويلات شبه مستقرة سياسيا ومتجاورة جغرافيا ، ومشتعلى عسكريا ، وهذه الدويلات نتجت عن عدد من التفاهمات الدولية ، مثل التفاهم الذي حدث ما بين أردوغان والرئيس الروسي بوتن لتثبيت إدلب في مارس 2020 ، وكان هذا التفاهم بعد أشهر من تفاهمات متتالية ما بين الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا لرسم خطوط للنفوذ في سوريا ، ومن هنا أصبحت سوريا مقسمة عمليا إلى ثلاث مناطق نفوذ :
1- المنطقة الأولى : تشكل حوالي 65 % من سكان سوريا وتسيطر الحكومة الرسمية في دمشق بدعم روسي وإيراني وحزب الله وميلشيات أخرى موالية للحكومة ، وكانت المدن الكبرى مثل دمشق ، وحلب ، واللاذقية تحت سيطرة الحكومة الرسمية إلى أن انسحب الجيش السوري من حلب خلال الأسبوع الماضي .
2- المنطقة الثانية : منطقة كردية تسيطر عليها بالأساس قوات يطلق عليها ” قوات سوريا الديمقرطية” أو “قصد” ، وهذه تقع في الشمال الشرقي للبلاد بدعم من التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وتعارضها تركيا والتي تخشى من استقلال الأكراد ، وتبلغ مساحة هذه المنطقة حوالي 25 % من سوريا .
3-المنطقة الثالثة: وتقع في الشمال الغربي من سوريا ، وهذه مساحتها 10% من سوريا ويسيطر عليها تياران أساسيان كانا متحاربين ومتصارعين حتى من أيام قليلة مضت ، وهما : هيئة تحرير الشام المتأسلمة ، وتقع تحت رعاية ” محمد الجولاني” ، وكانت تسمى سابقا بجبهة النصرة والتي كانت فرعا من القاعدة ، وفي كل حين وحين تغير اسمها كي تغير تصنيفها كجماعات إرهابية . وثانيا : الجيش الوطني السوري المعارض ، والذي كان سسمى سابقا ” الجيش السوري الحر” ، والتي تتركز قواته في الشمال الغربي من سوريا بدعم رسمى من الولايات المتحدة الأمريكية وتركيا ، ولابد أن نقول بأن الولايات المتحدة بعد أوباما قد دعمت هذا الجيش السوري الحر من خلال عملية سرية بقيادة المخابرات الأمريكية تكلفت مليار دولار ، وتضمنت نقل أطنان من الٍلحة مع تدريب المتمردين بهدف إزاحة بشار الأسد من السلطة تحت شعار دعم الديمقراطية ، وهي نفس العملية التي قام الرئيس ترمب حين وصل لسدة الحكم في 2017 لأنها كانت فاشلة من وجهة نظره .
هذان الفضيلان هيئة تحرير الشام والجيش الوطني السوري ومعهما عشرات الكيانات الأصغر ، توحدت فجأة في غرفة عمليات عسكرية واحدة تم تسميتها إدارة العمليات العسكرية وذلك في 28 نوفمبر 2024 وذلك في الأسبوع املاضي ، ونبذت ما بينهما من خلافات وذلك لتتوحد لأول مرة بعد أن كانت تتقاتل فيما بينها من قبل في مواجهة بشار الأسد ، وهذه التوحد مان ليتم إلا بتنسيق تركي على أعلى المستويات .
ولكي نخلص كل ما ذكرناه ،يمكن القول أن الحرب في سوريا تدور في الحقيقة بين أصحاب القبعة الزرقاء ، وهم واشنطن وتل أبيب وانقرة ، والذي يقوم مشروعهم على أزاحة روسيا وإيران وحزب الله.