لماذا نجحت التفاهة على منصات السوشل ميديا؟


بقلم / د. محمود محمد علي


في عصرنا اليوم أصبحت التفاهة منتجاً مرغوباً وثقافةً مبررةً ووضعاً راهناً في هذا العصر، وكأننا نعيش توجهاً يكاد يكون عالمياً نحو ما هو تافه، كل شيء تقريباً يتم تتفيهه، العلم والسياسة والإعلام والثقافة والتاريخ والإدارة، وغيرها من الرموز المهمة لبناء المجتمع والحضارة وإقامة أي شكل من أشكال الوعي الفردي أو الجماعي.
ولا شك أن وسائل الإعلام الحديثة وشبكات التواصل الاجتماعي وفّرت لهؤلاء التافهين فرصة للظهور والانتشار والخروج من جحورهم، بعدما تطبّع الناس تدريجيا مع هذا العبث الإلكتروني، من خلال الدفع بهؤلاء النكرات والمجاهيل الذين لم يكونوا شيئا مذكوراً، دفعت بهم إلى مدارج الشهرة ومصاعد النجومية، نتيجة قيامهم بأعمال عبثية وأشياء تافهة.
للأسف، العالم اليوم صار قائماً على نظام التفاهة، بل إنه يصنعه صناعة، ويدفعه دفعاً ليسود ويسيطر. فأينما وليت وجهك، شرقاً أم غرباً، أم أي اتجاه رغبت، فإنك تجد مصانع منتشرة للتفاهة، فهناك مصانع للتفاهات الثقافية، ومثلها للتفاهات السياسية، وأخرى للفنون، إلى آخر قائمة مجالات الحياة المتنوعة، التي تلوثت بتلك النوعية من المصانع التافهة.
وكتاب نظام التفاهة للكندي “آلان دونو” أسهب في تفصيل هذه الظاهرة، التي باتت لها قواعد ورموز وصارت لها أسرار ودعائم وشخصيات. نظام التفاهة هذا بات له صُناع ومبدعون وأنصار ومتعصبون، كما أن التافهين يتّحدون مع تافهين آخرين ليشكلوا وحدة منسجمة ليس فيها سوى التفاهة، ومقابلها أناس يسعون إلى تأسيس عالم أكثر جدية وعقلانية بترفيه دون ميوعة ولا فساد أو إفساد.
لا يخفى على أحد أن التفاهة أصبحت ظاهرة لا يمكن انكارها في عصر سيطرة السوشيال ميديا على المشهد، وأن ما نشهده اليوم من سقوط مريع على كل المستويات، وتراجع في قيم ومكتسبات فلسفية كثيرة، أصاب كل الأفكار الجميلة، والإبداعات الإنسانية فكراً وفلسفة وقانوناً وأخلاقاً وفناً في مقتل، واكتظ المشهد العام بهبوطٍ واضح للقيم الإنسانية النبيلة والخلّاقة، لتحلّ محلّها كل رداءة وسقوط في كل شيء. لم يعد أحد يفرّق بين مصلحته ونقيضها في ظل شيوع حالة السطحية والتفاهة الحاكمة للأفكار والأذواق والأنساق والأنماط المعاصرة للتفكير والقرارات.
واجبنا محاربة التفاهة في كل صورها وعدم إعطاء أصحابها أدنى أهمية لأنهم خطر على الأجيال الجديدة، لنقضي على الإسفاف والتتفيه كسلوك أصبح رائجاً، لنحارب التافهين بالموضوعات ذات الأهمية الأخلاقية والعلمية والنفسية حتى يخرجوا من عمق مياههم الراكدة المليئة بالفيروسات والجراثيم الفكرية التي يتأثر بها الشباب والناشئة أكثر من غيرهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.