قدوم النبي مكة


بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد قدم النبي صلى الله عليه وسلم في مكة بعد الانتهاء من مناسك الحج عشرة أيام، ثم عاد إلى المدينة المنورة، وإن من خلال خطبة الوداع الجامعة أشار الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم إلى الكثير من القضايا المهمة كحرمة دماء المسلمين وأموالهم إلا بحقها، وهذا يؤكد مبدأ راسخا في الإسلام وهو حرمة اعتداء المسلم على أخيه المسلم، سواء بالقتل أو الطعن أو الشتم، أو الإهانة وغيرها من الأمور المخلة بآداب الإسلام وتعاليمه، ومنها حُرمة الربا وخطورة التعامل به، وأن اللعن يصيب كلا من آكله وشاهده وكاتبه ومن له علاقة به من قريب أو بعيد، نظرا لآثاره السلبية على الفرد والمجتمع، وإبطال ما كان من عادات قبيحة.

عند العرب في الجاهلية ومنها الثأر، والدعوة إلى احترام النساء وإعطائهن حقوقهن، ودعوتهن للقيام بما عليهن من واجبات تجاه أزواجهن، ودعوة المسلمين إلى أن يتمسكوا في كل زمان ومكان بكتاب الله وسنه نبيه صلى الله عليه وسلم، وكذلك التأكيد على أخوة المسلمين ووحدتهم، وحذر صلى الله عليه وسلم المسلمين من الاختلاف والتناحر بينهم وأن يعرفوا أن قيمة الإنسان تقررها تقواه، وقربه إلى الله، وليس عنصره فجميع الناس اخوان وأبناء آدم، وآدم خُلق من تراب، فلا عجرفة ولا غرور ولا تعصب عنصرى، ويضاف إلى هذا بالنسبة للشيعة أنهم يعتقدون أن هذه الخطبة قد تضمنت أيضا دليلا على أولوية.

آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وبالخصوص الإمام علي بن أبي طالب بالخلافة وقيادة الأمة، وتعرف الخطبة اختلافا عميقا بين كل من السنة والشيعة، ويتمحور الاختلاف حول جملة “قد تركت فيكم” فالسنة يقولون أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال في هذه الجملة ” قد تركت فيكم ما إن اعتصمتم به فلن تضلوا أبدا، أمرا بينا، كتاب الله وسنة نبيه” وهذا في رأيهم دليل على وجوب التمسك بالسنة النبوية بعد القرآن لمعرفة أمور الدين، بينما الشيعة يذهبون إلى أن أهل السنة والجماعة قد حرفت الخطبة، وأن النص الأصلي كان يقول فيه النبي صلى الله عليه وسلم ” يا أيها الناس إنى تركت فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتى أهل بيتى”

مما يدعمون به أقوالهم حول أن آل بيت النبى صلى الله عليه وسلم أولى بخلافته وأولى بقيادة الأمة من سائر أصحابه، وإن حج بيت الله الحرام، وزيارة المشاعر المقدسة هى أمنية الكثير من المسلمين، في مشارق الأرض ومغاربها، أمنية طالما دمعت لها أعين، واهتزت لذكرها قلوب، واستشعرت لعظمتها أرواح، وكم من أناس قضوا حياتهم ولواعج الأشواق لبيت الله تكوي قلوبهم، يزداد حنينهم وحسرتهم كلما توفق لها من جانبهم أحد، أو رأوها تشع بالنور على شاشات التلفاز، تلك الرؤية التي لم يفوزوا بغيرها، وتجدهم فيها بأرواحهم، حتى لا تكاد تشعر بهم إلا محلقين في سماء المشاعر.

ويمر العقد بعد العقد ويبلغ صاحبه مبلغا من العمر لا يكاد فيه يحمل نفسه أو يسمع حسه، وهو يتمنى أن لو زار البيت، وكيف له ذلك وقد قضى حياته كلها محتاجا للقوت الضروري، مع ما يعترضه من متاعب الحياة ومسؤوليتها، وتحمله مسؤولية أهل وأولاد، ومرضى ومعوزين، ألا يكون حج بيت الله عند مثل هذا أمنية بعيدة المنال، مستحيلة التحقق، وكم حادي الشوق إلى المشاعر وكم هز من مشاعر، وكم سيطر على مشاعر آخرين طول حياتهم، حتى قضوا نحبهم ولم يتحقق حلمهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.