قاده خلدها الإسلام “الزبير بن العوام وموقعة الجمل”

بقلم / عاشور كرم

كان الزبير من جملة أنصار عثمان بن عفان في الفتنة فلما قتل عثمان ندم الزبير وأصحابه على عدم مساعدته وعزموا على الأخذ بثأر عثمان وبعدما بايع علي بن أبي طالب طلب منه الزبير وطلحة تعجيل إقامة القصاص واقترحا أن يخرجا للبصرة والكوفة فقال طلحة: (دعني فلآت البصرة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل) وقال الزبير: (دعني آت الكوفة فلا يفجئك إلا وأنا في خيل) فأمرهما علي بالتريث وبعد مرور أربعة أشهر من مقتل عثمان خرج الزبير وطلحة معتمرين إلى مكة والتقوا بعائشة بنت أبي بكر وكان وصولهما إلى مكة في ربيع الآخر سنة ٣٦ هـ ودعا الزبير الناس إلى الأخذ بثار عثمان فقال: (ننهض الناس فيدرك بهذا الدم لئلا يبطل فإن في إبطاله توهين سلطان الله بيننا أبدا إذا لم يفطم الناس عن أمثالها لم يبق إمام إلا قتله هذا الضرب) كما قرروا الخروج إلى البصرة ثم الكوفة والاستعانة بأهلها على قتلة عثمان منهم أو من غيرهم ثم يدعون أهل الأمصار الأخرى لذلك ولما وصلوا البصرة أرسل لهم والي البصرة عثمان بن حنيف الأنصاري يسألهم عن سبب قدومهم فأرسل إليهم كلا من عمران بن حصين وأبي الأسود الدؤلي فذهبا إلى عائشة فقالا: (إن أميرنا بعثنا إليك نسألك عن مسيرك فهل أنت مخبرتنا) فقالت: (والله ما مثلي يسير بالأمر المكتوم ولا يغطي لبنيه الخبر إن الغوغاء من أهل الأمصار ونزاع القبائل غزوا حرم رسول الله ﷺ وأحدثوا فيه الأحداث وآووا فيه المحدثين واستوجبوا فيه لعنة الله ولعنة رسوله مع ما نالوا من قتل إمام المسلمين بلا ترة ولا عذر فاستحلوا الدم الحرام فسفكوه وانتهبوا المال الحرام وأحلوا البلد الحرام والشهر الحرام ومزقوا الأعراض والجلود وأقاموا في دار قوم كانوا كارهين لمقامهم ضارين مضرين غير نافعين ولا متقين لا يقدرون على امتناع ولا يأمنون فخرجت في المسلمين أعلمهم ما أتى هؤلاء القوم وما فيه الناس وراءنا وما ينبغي لهم أن يأتوا في إصلاح هذا وقرأت: (لاَّ خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلاَحٍ بَيْنَ النَّاسِ) ننهض في الإصلاح ممن أمر الله عز وجل وأمر رسول الله ﷺ الصغير والكبير والذكر والأنثى فهذا شأننا إلى معروف نأمركم به ونحضكم عليه ومنكر ننهاكم عنه ونحثكم على تغييره فأتيا طلحة فقالا: (ما أقدمك)قال: (الطلب بدم عثمان) قالا: (ألم تبايع عليا)قال (بلى، واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان)ثم أتيا الزبير فقالا: (ما أقدمك) قال: (الطلب بدم عثمان) قالا: (ألم تبايع عليا) قال (بلى واللج على عنقي وما استقيل عليا إن هو لم يحل بيننا وبين قتلة عثمان) ثم رأى عثمان بن حنيف أن يمنعهم من دخول البصرة حتى يأتي علي بن أبي طالب فقام طلحة ثم الزبير يخطبان في أنصار المعسكرين، فأيدهما أصحاب الجمل ورفضهما أصحاب عثمان بن حنيف ثم قامت عائشة تخطب في المعسكرين فثبت معها أصحاب الجمل وانحازت إليها فرقة من أصحاب عثمان بن حنيف وجاء حكيم بن جبلة العبدي وكان من قتلة عثمان وسب عائشة وكان لا يمر برجل أو امرأة ينكر عليه أن يسب عائشة إلا قتله فانتشب القتال واقتتلوا قتالا شديدا فقتل عددا ممن شارك في قتل عثمان قدر بسبعين رجلا واستطاع الزبير وطلحة ومن معهما أن يسيطروا على البصرة وتوجه الزبير إلى بيت المال وأخلى سبيل عثمان بن حنيف
ولما صل علي بن أبي طالب إلى ذي قار وأرسل الرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة فأرسل القعقاع بن عمرو إليهم فقال لعائشة: (أي أماه ما أقدمك هذا البلد؟) فقالت: (أي بني الإصلاح بين الناس) فسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح واتفقا على الصلح ولما عاد القعقاع إلى علي وأخبره بما فعل فارتحل علي حتى نزل بحياهم ولما نوى الرحيل قال: (وإني راحل غدا فارتحلوا ألا ولا يرتحلن غدا أحد أعان على عثمان بشيء في شيء من أمور الناس وليغن السفهاء عني أنفسهم) فلما قال هذا اجتمع جماعة من قتلة عثمان كـالأشتر النخعي وشريح بن أوفى وعبد الله بن سبأ فقال الأشتر: (قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم فإن كان قد اصطلح معهم فإنما اصطلح على دمائنا)وقال عبد الله بن سبأ:( )يا قوم إن عيركم في خلطة الناس فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس ولا تدعوهم يجتمعون)

فأشعل القتال بين الطرفين وقتل طلحة بن عبيد الله بعد أن أصابه سهم وانصرف الزبير عن القتال حيث التقى بعلي فقال له: (يا زبير! أنشدك الله أسمعت رسول الله ﷺ يقول: (إنك تقاتلني وأنت ظالم؟) قال: نعم! لم أذكره إلا في موقفي هذا) فلما تذكر الزبير ذلك انصرف عن القتال فلقيه ولده عبد الله فقال له: (جبنا جبنا)قال: (قد علم الناس أني لست بجبان ولكن ذكرني علي شيئاً سمعته من رسول الله ﷺ، فحلفت ألا أقاتله) ثم قال:
ترك الأمور التي أخشى عواقبها في الله أحسن في الدنيا وفي الدين
وقيل إنه أنشد:
ولقد علمت لو أن علمي نافعي
أن الحياة من الممات قريب

وأخيرا اختتم حديثي بأن
فلما رجع الزبير متوجها إلى المدينة لحقه بن جرموز ( بوادي السباع) فقتله وهو يصلي فلما جيء به مقتولا بكى علي بن أبي طالب وقال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: (بشر قاتل بن صفية بالنار) فكان مقتله بوادي السباع بالبصرة سنة ست وثلاثين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.