قادة خلدها الإسلام ” سعد بن أبي وقاص وإمارته في عهد الخلفاء”

بقلم / عاشور كرم

عندما مات النبي وخلفه أبو بكر الصديق كان سعد من جملة جيشه ولما خرج جيش أسامة بن زيد من المدينة طمع الأعراب في المدينة فجعل أبو بكر حراسا على أنقاب المدينة يبيتون حولهامنهم علي بن أبي طالب والزبير بن العوام وطلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص ثم خرج سعد مع أبي بكر لقتال الأعراب بحروب الردة

إمارة العراق وسعد
أرسل أبو بكر الصديق خالد بن الوليد من العراق إلى الشام ولما مات أبو بكر استخلف عمر أبا عبيد الثقفي على أجناد العراق سنة 13 هـ ولكن كانت فترته قصيرة حوالي بضعة أشهرحيث استشهد في معركة الجسر وبعد مقتل أبي عبيد الثقفي انتظم شمل الفرس واجتمع أمرهم على يزدجرد الثالث ونقض أهل الذمة عهودهم التي كانوا قد عاهدوا عليها المسلمين وأخرجوا عمال المسلمين من بين أظهرهم فغضب عمر بن الخطاب وركب في أول يوم من محرم سنة 14 هـ وكان عازما على غزو العراق بنفسه واستخلف على المدينة علي بن أبي طالب ثم عقد مجلسا لاستشارة الصحابة فيما عزم القيام به ونودي أن الصلاة جامعة وقد أرسل إلى علي فقدم من المدينة ثم استشارهم فكلهم وافقوه على الذهاب إلى العراق إلا عبد الرحمن بن عوف فإنه قال له: (إني أخشى إن كسرت أن تضعف المسلمون في سائر أقطار الأرض وإني أرى أن تبعث رجلا وترجع أنت إلى المدينة )فارثا عمر والناس عند ذلك واستصوبوا رأي ابن عوف. فقال عمر: (فمن ترى أن نبعث إلى العراق) فقال: (قد وجدته) قال: (من هو؟ قال: (الأسد في براثنه سعد بن مالك الزهري فاستجاد قوله وأرسل إلى سعد فأمره على العراق وأوصاه فقال: لسعد بن أبي وقاص يا سعد بن وهيب لا يغرنك من الله أن قيل خال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصاحبه فإن الله لا يمحو السيء بالسيء ولكن يمحو السيء بالحسن وإن الله ليس بينه وبين أحد نسب إلا بطاعته فالناس شريفهم ووضيعهم في ذات الله سواء الله ربهم وهم عباده يتفاضلون بالعافية ويدركون ما عند الله بالطاعة فانظر الأمر الذي رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم منذ بعث إلى أن فارقنا عليه فالزمه فإنه أمر هذه عظتي إياك إن تركتها ورغبت عنها حبط عملك وكنت من الخاسرين.

فتح المدائن وجلولاء وحلوان
أرسل سعد زهرة بن الحوية التميمي في كتيبة لحصار بهرسير أو نهرشير وهي المدائن الغربية فتلقاه شيرزاد في ساباط بالصلح وأداء الجزية ثم سار سعد بالجنود إلى مكان يقال له مظلم ساباط فوجد جندا من الفرس تسمى جند بوران ومعهم أسد كبير يسمى المقرط فتقدّم له هاشم بن عتبة فقتل الأسد،وهاجم المسلمون الفرس فهزموهم ثم نزلوا نهرشير في ذي الحجة 15 هـ بعث سعد السرايا في كل جهة يطلبون جند الفرس فلم يجدوا أحدا سوى الفلاحين فجمع سعد منهم مائة ألف وكتب إلى عمر يستفته في أمرهم فكتب إليه عمر: (إِن من كان مِن الْفلاحين لم يعن عليكم وهو مقيم ببلده فهو أَمان هوومن هرب فأدركتموه فشأْنكم به) فأطلقهم سعد ودعاهم للإسلام فاختاروا الجزية أقام سعد على حصار نهرشير وشدد الحصار شهرين حتى أرسل له الفرس يسألونه الصلح على أن يكون دجلة فاصلا حدوديا بين أرض المسلمين وأرض الفرس فرفض المسلمون وركب الفرس السفن بأموالهم في الليل إلى الضفة الأخرى من النهر إلى المدائن وتركوا نهرشير خاوية فدخلها المسلمون
وبعد فتح المدائن فر يزدجرد إلى حلوان وأرسل مهران رازي بجيش فارسي إلى جلولاء فبعث سعد هاشم بن عتبة إلى جلولاء باثني عشر ألف وتم فتح جلولاء في ذي القعدة 16 هـ ثم أمر هاشم القعقاع بن عمرو التميمي بمطاردة فلولهم فأدرك مهران في خانقين فقتله وواصل القعقاع إلى حلوان فوجد يزدجرد قد فر حين بلغه خبرؤ إلى الجبال وترك بحلوان فرسانا بقيادة خسرو شنوم فهزمهم القعقاع ودخل حلوان

إمارة الكوفة
وفي سنة 17 هـ وصل إلى عمر بن الخطاب خبرا أن العرب قد رقت بطونها وجفت أعضادها وتغيرت ألوانهافكتب عمر إلى سعد: (أخبرني ما الذي غير ألوان العرب ولحومهم؟) فكتب إليه سعد: (إن الذي غيرهم وخومة البلاد وإن العرب لا يوافقها إلا ما وافق إبلها من البلدان) فكتب إليه عمر: (أن ابعث سلمان وحذيفة رائدين فليرتادا منزلا بريا بحريا ليس بيني وبينكم فيه بحر ولا جسر) فأرسلهما سعد، فخرج سلمان حتى يأتي الأنبار فسار في غربي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة، وسار حذيفة في شرقي الفرات لا يرضى شيئا حتى أتى الكوفة فارتحل سعد من المدائن حتى نزل الكوفة في محرم سنة سبع عشرة وخير المسلمين بينها وبين المدائن فمن أعجبه أن يقيم بالمدائن تركه يقيم بها واستأذن سعد أهل الكوفة في بنيان القصب ثم وقع حريقا في الكوفة والبصرة وكانت الكوفة أشد حريقا في شوال فبعث سعد إلى عمر يستأذنه في البنيان بالطوب اللبن فأذن لهم على ألا يزيدن أحدكم على ثلاثة أبياتوألا يطاولوا في البنيان وتولى سعد إمارة الكوفة
وأخيرا اختتم حديثي بأن
معركة القادسية
قادها سعد في ثلاثين ألف مقاتل إلى القادسية وبث سراياه وأقام فيها شهرا لم ير أحدا من الفرس واجتمع رأي الفرس على إرسال رستم فرخزاد على الجيش فذهب رستم وعسكر بساباط فجعل على المقدمة وهي أربعون ألفا الجالينوس وعلى الميمنة الهرمزان وعلى الميسرة مهران بن بهرام وعلى الساقة البندران، وهم ثمانون ألفا وقيل: مائة وعشرون ألفا يتبعها ثمانون ألفًا فالجملة مائتا ألف مقاتل وثلاثة وثلاثون فيلا ثم بعث سعد النعمان بن مقرن المزني وفرات بن حيان وحنظلة بن الربيع وعطارد بن حاجب والأشعث بن قيس والمغيرة بن شعبة وعمرو بن معد يكرب يدعون رستما إلى الإسلام ولما طاول رستم سعدا في اللقاء بعث سعد سرية لتأتيه برجل من الفرس لمعرفة أخبارهم فاخترق طليحة بن خويلد الأسدي جيش الفرس حتى أسر أحدهم وجاء به فسأله سعد عن القوم فجعل يصف شجاعة طليحة فقال: (دعنا من هذا وأخبرنا عن رستم؟) فقال: هو في مائة ألف وعشرين ألفا ويتبعها مثلها ) ولما تواجه الجيشان وبعث رستم إلى سعد أن يبعث إليه برجل عاقل عالم بما أسأله عنه فبعث إليه المغيرة بن شعبة ثم بعث إليه سعد رسولا آخر وهو ربعي بن عامر ثم بعث إليهم رسولا ثالث وهو حذيفة بن محصن البارقي فتكلم نحو ما قال ربعي وبعد أن فشلت المفاوضات التقى الجيشان في القادسية ولما تقابل الجمعان كان سعد قد أصابه عرق النسا ودمامل في جسده فلم يعد يستطيع الركوب فكان يجلس في قصر متكئ على صدره فوق وسادة وهو ينظر إلى الجيش ويدبر أمره وقد جعل أمر الحرب إلى خالد بن عرفطة وجعل على الميمنة جرير بن عبد الله البجلي وعلى الميسرة قيس بن مكشوح فصلى سعد بالناس الظهر ثم خطب الناس فوعظهم وحثهم ثم تلا ( وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِنْ بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ ) وقرأ القراء آيات الجهاد وسورهثم كبر أربعاثم بدأ القتال واستمر القتال ثلاثة أيام فلما أصبح اليوم الرابع اقتتلوا قتالا شديدا وكانت خيول المسلمين تفر من فيلة الفرس واستطاع المسلمون قتل الفيلة ومن عليها وقلعوا عيونهاوأبلى جماعة من الشجعان في هذه الأيام مثل: طليحة الأسدي وعمرو بن معدي كرب والقعقاع بن عمرو وجرير بن عبد الله البجلي وضرار بن الخطاب وخالد بن عرفطة وأشكالهم وأضرابهم فلما كان وقت الزوال من هذا اليوم ويسمى: يوم القادسية وكان يوم الاثنين من المحرم سنة 14 هـ هبت ريح شديدة فرفعت خيام الفرس عن أماكنها وألقت سرير رستم فبادر فركب بغلته وهرب فأدركه المسلمون فقتلوه

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.