فيها يتنافس المتنافسون


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن الأيام العشر من ذي الحجة من أفضل الأوقات ءڤ، ومما يستحب فعله في هذه الأيام الصلاة تبكيرا إلى الفرائض، وإكثارا من النوافل فإنها من أفضل القربات عند الله، فروى ثوبان رضي الله عنه قال سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم يقول “عليك بكثرة السجود فإنك لا تسجد لله سجدة إلا رفعك الله بها درجة، وحط عنك بها خطيئة” رواه مسلم، ومما يستحب فعله الصيام، لدخوله في الأعمال الصالحة عموما، وقد روي من بعض أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قالت “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم تسع ذي الحجة، ويوم عاشوراء، وثلاثة أيام من كل شهر” رواه أحمد وأبو داوود والنسائي، ومما يستحب فعله التكبير والتهليل والتحميد، لما روى في حديث ابن عمر رضى الله عنهما”فأكثروا فيهن من التهليل والتكبير والتحميد” ويسن فيه الجهر لفعل عدد من الصحابة ذلك، وهي سنة كادت أن تختفي وتنسى.

ألا وإن تاج الأعمال الصالحة فيها أيها المسلم صيام يوم عرفة لغير الحاج، كما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال عن صوم يوم عرفة “أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده” رواه مسلم، ويوم النحر يغفل عنه الكثير من المسلمين، وعن جلالة شأنه وعظم فضله ينشغل الجم الغفير من المؤمنين، هذا مع أن بعض العلماء يرى أنه أفضل أيام السنة على الإطلاق، فقال ابن القيم خير الأيام عند الله يوم النحر، وهو يوم الحج الأكبر، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قال “إن أعظم الأيام عند الله يوم النحر، ثم يوم القرّ” والقر هو يوم الاستقرار في منى، وهو اليوم الحادي عشر، فإن الأيام العشر من ذي الحجة موسم من مواسم الطاعات والخيرات، فيها يتنافس المتنافسون، ويتسابق إليها المتسابقون، حتى عدت هذه الأيام من أفضل أيام الدنيا، لما تضمنته من فضائل، واحتوت عليه من ميزات ومسائل، حتى قيل أن أيامها أفضل من العشر الأواخر من رمضان.

ومن أجل ذلك كان العلماء والفضلاء يتنافسون في أعمال البر والإحسان، ومما يدل على فضلها وشرفها ما جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما من أيام العمل الصالح فيها أحب إلى الله من هذه الأيام يعني أيام العشر” قالوا يا رسول الله ولا الجهاد في سبيل الله ؟ قال “ولا الجهاد في سبيل الله إلا رجل خرج بنفسه وماله ثم لم يرجع من ذلك بشيء” ويكفي في فضلها وكرمها أن الله أقسم بها، وهو سبحانه لا يقسم إلا بعظيم من خلقه، ولقد لقد تضمنت هذه الأيام الشريفة، والليالي الكريمة يوم عرفة وما أدراك ما عرفة إنه اليوم الذي أكمل الله فيه الدين، وأتم به علينا النعمة، فشرع أعظم رسالاته وأكملها، وأفضل السبل وأنبلها، وأرسل أفضل رسله، وأكرم أنبيائه من خلقه، وفي هذا اليوم الأغر يجتمع الحجاج من كل أنحاء العالم، وأصقاع البلاد يلبسون زيا واحدا ويلبون تلبية واحدة، فلا فرق بين أعجمي ولا عربي.

ولا فضل لأبيض على أسود إلا بالتقوى، ولفضل هذا اليوم قال رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم”الحج عرفة” وبين أن صيامه لغير الحاج يكفر سنتين، ويمحو ذنوب العباد وتعتق في هذا اليوم الرقاب، والحج وزيارة بيت الله الحرام، وقد بين الله أن الحج فرض على كل من استطاع إليه سبيلا والاستطاعة تفسر بالقدرة المادية والبدنية، واشترط بعض العلماء المحرم بالنسبة للمرأة، ويكفي في فضل الحج ما جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “تابعوا بين الحج والعمرة، فإن المتابعة بينهما تنفي الفقر والذنوب كما ينفي الكير خبث الحديد” والواجب على المسلم أن يتعلم ويتفقه حتى يؤدي حجه ونسكه بما يوافق هدي النبي صلى الله عليه وسلم، لأنه قد يقع في المحظور وهو لا يدري مثل ان لا يقف في حدود عرفة.

أو يأتي عرفة بعد خروج وقته، أو يجامع فيفسد حجه، أو ربما قطع شجرا أو قتل صيدا، وقد أمرنا الله أن نسأل أهل العلم فيما أشكل علينا أو اشتبه أمره لنا، ومن الأعمال الصالحة في هذه الأيام المباركة أيها الكرام التكبير المطلق وهو مشروع من أول الشهر إلى نهاية اليوم الثالث عشر من شهر ذي الحجة، وأما المقيد ففي أيام التشريق عقب الصلوات المكتوبات، والحاج يلبي حتى يرمي جمرة العقبة الكبرى صبيحة يوم النحر، وصيغة التكبير “الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد، أو يثلث الله أكبر الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر الله أكبر ولله الحمد” ومن الأعمال الصالحة تلاوة كتابه وقراءة آياته، والتغلغل في مقاصده، والتأمل في مراميه، وقد جعل الله الشفاء والرحمة فيه والهداية والنور، وعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت‏‏ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏”‏الذي يقرأ القرآن وهو ماهر به مع السفرة الكرام البررة، والذي يقرأ القرآن ويتتعتع فيه وهو عليه شاق له أجران‏”‏‏ ‏‏متفق عليه‏.

بل جاء في الحديث الصريح الصحيح أن تلاوة القرآن يضاعف أجرها، ويعظم أثرها في قلب المؤمن فعن ابن مسعود رضي الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏”‏من قرأ حرفا من كتاب الله فله حسنة، والحسنة بعشر أمثالها لا أقول‏‏ ألم حرف، ولكن ألف حرف، ولام حرف، وميم حرف‏”‏‏ راوه الترمذى، فسارعوا قبل فوات الأوان، وحلول الآجال، وتقلب الأيام والأحوال، وقبل أن يأتى يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم، فبادروا إلى استغلال الفرص، وتحين الأوقات الفاضلة، فإن ما يقوم به المسلم من أعمال البر والإحسان والصدقة، والمعروف ونوافل العبادة، وخاصة في أيام العشر أثمن عند الله من الذهب الخالص فقال عليه الصلاة والسلام ” العبادة فى الهرج كهجرة إلى” رواه مسلم، وقد دعانا الله إلى المسابقة في أمور الآخرة، وتحصيل الثواب في العاجلة، وفي الأيام العشر يوم النحر هذا اليوم العظيم من أيام الله تعالى.

هو أفضل أيام السنة على الإطلاق لأنه جمع بين أنواع العبادة، وبعده أيام التشريق، وهي أيام الذكر والأكل، وإن في زماننا فتن عظيمة وبلايا كبيرة، ومحن جسيمة، لا يثبت فيها على الدين، إلا من وفقه الله للعمل الصالح والعلم المتين، حتى أصبح القابض على دينه، المتمسك بتعاليم نبيه، كالقابض على الجمر، أو الماشي على لهيب الحر، والأيام العشر فرصة لكسب الحسنات، وعمل الصالحات، وخاصة الدعاء في عرفات، فقد جاء في الحديث أفضل الدعاء دعاء عرفة، فأكثروا فيه من الدعوات الصالحات، لعموم المسلمين ولمن يتعرضون اليوم للأذى والضرر، والنكبات، ودعاء المسلم لأخيه بظهر الغيب من الأدعية المستجابات، وكل منا يتمنى أن يشارك حجاج بيت الله الحرام، ويقف موقفهم في عرفات، وهي منة يتمناها كل منا، ويرجوها غالبنا، ولكن ما لا يدرك كله لا يترك جله؛ فمن رحمته ولطفه بعباده، أن نوع العبادة وسهل طرقها لينالوا بذلك الأجر والثواب، ويشاركوا إخوانهم الحجاج فيما هم فيه من الخير والبر وسائر الأبواب

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.