كتب / د. فرج أحمد فرج
باحث انثروبولوجيا
عمارة الإيموبيليا ليست مجرد مبنى تاريخي، بل هي شاهد على تاريخ من الزمن الجميل وموطن لشخصيات تركت بصماتها في مجالات مختلفة، مما يجعلها واحدة من أبرز المعالم التاريخية والمعمارية في القاهرة.
تدور أحداث رواية “عمارة الإيموبيليا” للكاتبة ندى سيد حول عمارة الإيموبيليا الشهيرة الموجودة بمنطقة وسط البلد، وسكن بها مجموعة من أشهر الفنانين ومنهم الفنانة ليلى مراد وأنور وجدي وغيرهم، وعرفت بوجود أحداث غامضة وغريبة لم يجد أحد لها تفسير، ويحاول أحد أبطال الرواية فك ألغاز الجرائم التي تحدث داخل العمارة التي تسكن بها خطيبته
كانت أرض المبني مقام عليها سراي الفخمة مقر السفارة الفرنسية وفي يناير من العام 1937، باع المسيو بيير دي فيتاس وزير فرنسا المفوض إلى الشركة العقارية العمومية «الإيموبيليا»، وانتقلت السفارة الفرنسية إلى مكان آخر، وأعدت الأرض الفضاء لبناء أول ناطحة سحاب بمصر وللتحول معها المنطقة إلى حي راقٍ ومقصد لساكنيها الأثرياء.
تأسست عمارة الإيموبيليا على مساحة 5444 مترًا مربعًا، وكانت أول عمارة في مصر تتخذ الشكل الانسيابي الخالي من التفاصيل الزخرفية الكلاسيكية، تم تصميم العمارة على هيئة برجين على شكل حرف “U”، ويضم كل برج ثلاثة مداخل عمومية للسكان، البرج البحري يتكون من 11 طابقًا، بينما البرج القبلي يرتفع إلى 13 طابقًا، تحتوي العمارة على 370 شقة
بدأ العمل في إنشاء العمارة في 30 أبريل 1938 وتكلف بناؤها مليون و200 ألف جنيه مصري وانتهي بناؤها عام 1940. تتكون العمارة من برجين أحدهم بحري ويتكون من 11 طابق، والآخر قبلي ويرتفع ل13 طابق ويضم البرجين 370 شقة. المصاعد الموجودة بها والذي يقدر عددها بنحو 27 مصعد كانت تقسم إلى ثلاث فئات «بريمو» للسكان، و«سوكندو» للخدم، وأخرى للأثاث.
هي أول ناطحة سحاب تم بناؤها في مدينة في القاهرة، يبلغ ارتفاعها 70 مترًا ويوجد بها 370 شقة، وصممها المهندسين المعماريين ماكس أذرعي، وجاستون روسي، عند نقطة التقاء شارعى شريف وقصر النيل، وبناها أحمد عبود باشا.
كانت عمارة الإيموبيليا هي السكن المفضل لمشاهير المجتمع من السياسيين والفنانين والرياضيين في الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي. وهي ضمن ممتلكات المليونير المصري القديم أحمد عبود باشا، أغنى أغنياء مصر في ذلك الوقت، حيث كانت تقدر ثروته بحوالي 30 مليون جنيه في الثلاثينات.
تتميز عمارة الإيموبيليا بأربع واجهات وكانت أول عمارة تحتوي على جراج تحت الأرض يسع حوالي 100 سيارة، بالإضافة إلى ذلك، تم تجهيزها بنظام تدفئة خاص حيث كانت النفايات تُوضع في مواسير ضخمة تصل إلى بدروم العمارة حيث تحرق وتمد كافة الشقق بوسائل تدفئة عبر مجموعة مواسير ضخمة موجودة حتى الآن، كانت عملية التنظيف تتم عن طريق عربات المطافئ التي كانت تقوم بغسلها مرتين في الشهر للحفاظ على جمالها ورونقها.
عمارة لا يسكنها أحد:
رغم فخامة البناء، واجهت عمارة الإيموبيليا صعوبة في تأجير شققها في البداية بسبب ارتفاع تكاليف الإقامة، لذلك، لجأ ملاك العمارة إلى نشر إعلانات في الصحف المصرية والأجنبية لتشجيع الناس على السكن بها، مبرزين عدد المصاعد وقوة أساسات البناية، بفضل هذه الدعاية، أصبحت العمارة موطنًا للعديد من أهل الفن والشخصيات البارزة.
أشهر سكان العمارة:
من بين أشهر سكان عمارة الإيموبيليا كان نجيب الريحاني ومحمد عبد الوهاب وأنور وجدي وزوجته ليلى مراد وكاميليا وعزيز محمود ومحمد فوزي وزوجته هداية، كما سكن فيها الملحن كمال الطويل والفنانة ماجدة ومحمود المليجي وزوجته علوية جميل، بالإضافة إلى المخرجين هنري بركات وكمال الشيخ والفنانة أسمهان وأحمد سالم والمنتجة آسيا داغر، من الأدباء، كان توفيق الحكيم من سكانها البارزين.
من السياسيين، سكنها البرنس إسماعيل باشا حسن رئيس الديوان الملكي، وأحمد باشا كامل، وإسماعيل باشا صدقي، والدكتور عزيز صدقي رئيس وزراء مصر الأسبق، بالإضافة إلى نقيب المحامين أحمد الخواجة.
قال الدكتور ولاء الدين بدوي، خبير المتاحف والتراث ومدير متحف الآثار بقصر الزعفران، أن طرائف أحمد عبود باشا، كان يشترط على من يسكن عمارة الإيموبيليا أن يكون أهلاويًا، مما يعكس ولاءه الشديد للنادي الأهلي، ومع ذلك، استثنى من هذا الشرط الموسيقار محمد عبد الوهاب وأم كلثوم، اللذين كانا يجهران بزملكاويتهما.
أضاف بدوي ، أن عبود باشا خصص شقتين في عمارة الإيموبيليا للمغتربين من لاعبي الأهلي، حرصًا منه على توفير الراحة لهم، بالإضافة إلى ذلك، وظف بعض اللاعبين كموظفين في شركة البوستة الخديوية، أكبر شركة ملاحة وبواخر في الشرق الأوسط في ذلك الوقت، والتي كان مقرها في العمارة نفسها.
لم تكن طرائف أحمد عبود باشا مجرد مواقف عابرة، بل كانت تعكس شخصيته الكاريزمية وتأثيره الكبير في المجتمع المصري، بفضل رؤيته الثاقبة وعلاقاته الواسعة، نجح في تحويل عمارة الإيموبيليا إلى مجتمع مصغر يضم نخبة من أهم الشخصيات في مصر، مما جعلها رمزًا للرفاهية والرقي في قلب القاهرة.
وحول هذه العمارة كتب العديد من الادباء عنها منهم الاستاذ محمود معروف الناقد والصحفي الرياضي الشهير وعن العمارات وساكينيها واحداثها كتب الدكتور علاء الاسواني عمارة يعقوبيان وعمارة ال نجم مريم محمود وعمارة ال داوود مروة جوهر ولغز عمارة زهرة الطيب اميره البطل وعمارة حي المعادي فاطمه حمزة وحول عمارة الايموبيليا صنع فيلم للمخرج خالد الحجر جريمة الايموبيليا .
يستضيف صالون بيت الحكمة الثقافي، ندوة لمناقشة رواية “عمارة الإيموبيليا.. جثث واختفاء”، للكاتبة ندى سيد،
ومن المقرر أن يناقش الرواية كل من الكاتب أسامة ريان والكاتبة فاطمة سعد ويدير اللقاء محمود محمد، وذلك في السابعة من مساء يوم السبت الموافق 7 سبتمبر الجاري، بمقر بيت الحكمة للثقافة
ومن أجواء الرواية نقرأ:
طلقات صامته لا يسمعها أحد ولكنها جعلت الدماء تملأ تلك العمارة، فكل خطوة تجعلك تتمايل حتى لا تلمس الدماء وتجد نفسك مشتبه فيه، لذا لا تحاول الدخول فيها الآن، فالتحقيقات ما زالت مستمرة ولا أحد يعلم من الجاني ؟
يذكر أن رواية “عمارة الإيموبيليا” هي الرابعة للكاتبة ندى سيد، حيث أصدرت أول أعمالها بعنوان “متاهات في حياتي” عام 2023، ورواية “سر الفيلا 33” على جزئين 2024، والتي شاركت بهم في معرض القاهرة الدولي للكتاب في دورته الـ 55 لعام 2024، التي أقيمت في مركز مصر للمعارض والمؤتمرات الدولية، بالتجمع الخامس، واختتمت فعالياتها في 6 فبراير الماضي، تحت شعار “نصنع المعرفة نصون الكلمة”، بمشاركة 1200 ناشر من قارات العالم، وبلغت عدد الدول المشاركة 7 دولة من جنسيات مختلفة.