بقلم / عبير سعيد
مقولة فاقد الشيء لا يعطيه تتراوح بين القبول والرفض، فلو كان القصد منها أن من لا يمتلك الشيء من أساسه لا يمكنه أن يقدمه أو يعطيه لغيره فهذا الأمر صحيحاً، أما من حرم شيئاً فإنه قادر على إعطائه لغيره، وفي هذه الحالة تصبح المقولة غير صحيحة، فلو حرم الإنسان من العطف في صغره لا يعني ذلك أنه غير قادر على منح أطفاله العطف والحنان، بل هو الأقدر على ذلك لأن العطف صفة وضعها الله تعالى في النفس البشرية سواء حرم الإنسان من العطف أم منحه، أما إن خلا قلب الإنسان من الرأفة والشعور بالغير فلن يستطيع في هذه الحالة منح غيره هذه الرأفة، لأنه أساساً لا يمتلكها .. فعبارة فاقد الشيء لا يعطيه تناقلتها الأجيال وأصبحت تطلقها على الأمر الخطأ أو الصواب، وكأنها مقولة مسلم بها، متجاهلين أن لكل قاعدة شواذ، فلا شيء مطلق في هذا الكون، وكثيراً ما نجد أن الشخص الفاقد لشيء في حياته يكون أكثر الأشخاص تقديماً وعطاء له لأنه ذاق مرارة الحرمان، فمن توفي والده في صغره وفقد عطف وحنان الأبوة يظل هذا الشعور مرافقاً له حتى يصبح أباً، فيغدق على أبنائه من العطف والحنان المضاعف لأنه تجرع مر الفقد، وأيضاً من أضطر لترك مقاعد الدراسة ليلتحق بسوق العمل بسبب الحاجة الملحة للمال نجده يحقق أهدافه وأحلامه بأولاده، ويعمل جاهداً على تقديم ما بوسعه لتحقيق حلمهم الذي هو حلمه أصلاً، والأمثلة على ذلك كثيرة جداً .. وهكذا نجد أن فاقد الشيء بمعنى الحرمان وليس الفقد التام يعطيه بسخاء، بل ويتحدى الظروف الصعبة ليقدمه لغيره، إذ يعتبر أفضل شخص يقوم بذلك، ففي عتمة الحياة لابد من وجود ضوء خافت سيصبح يوماً ما منارة ساطعة، كما الحال من حرم شيئاً في صغره فإنه سيصبح يوماً ما منبعاً له، ففاقد الشيء يعطيه بسخاء شديد .. وهذا رأيي الشخصي وعن تجربة ..