بقلم / محمــــد الدكـــــروري
إن التعرف على أسماء الله الحسنى وصفاته العلا يدعو إلى عبادته، ومحبته وخشيته، وتعظيمه وإجلاله، وبحسب معرفة العبد بأسماء الله وصفاته يكون إيمانه واجتهاده في عبادته، ولقد أثنى سبحانه وتعالى على ذاته العلية، فوصف نفسه بصفات الكمال والجلال، فقال في محكم تنزيله فى سورة الحشر”هو الله الذى لا إله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون” فهو سبحانه الجبار، الذي له العلو على خلقه، فسبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة، لن يبلغ الخلق نفعه فينفعوه، ولن يبلغوا ضره فيضروه، قهر الجبابرة بجبروته، وعلاهم بمجده وعظمته، وأن المسلمين الأوائل عندما نزل تحريم الخمر أكفؤوا ما في بيوتهم من دنان الخمر، وقالوا انتهينا يا رب، ذلك لأن شرب الخمر كان نتيجة طبيعية لمجتمع ينأى عن الإيمان، ويعشق اللذة، ويبتغي النشوة، ولا يبالي بالإثم.
ومن أجل ذلك كانت الفضائل حيّة في المجتمع الذي يسوده الإيمان، وكانت الجرائم قليلة فيه، حتى إن القاضي في عصر صدر الإسلام كان يمضي الوقت الطويل دون أن ترفع إليه قضية في خصومة، فعن السيدة أم سلمة رضى الله عنها قالت “جاء رجلان يختصمان إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في مواريث قد درست، ليس بينهما بيّنة، فقال لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم”إنكم تختصمون إليّ، وإنما أنا بشر، ولعل بعضكم ألحن بحجّته من بعض، وإنما أقضي بينكم على نحو ما أسمع، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا يأخذه، فإنما أقطع له قطعة من النار، فإن شاء فليأخذها وإن شاء فليدعها” فبكى الرجلان وقال كل واحد منهما حقي لأخي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “أما إذا قلتما ذلك، فاذهبا فاقتسما، ثم توخيا الحق، ثم استهما، أي اعملا قرعة، ثم ليحلل كل واحد منكما صاحبه” رواه احمد، أرأيتم كيف أن الإيمان باليوم الآخر والخوف من النار.
كيف حمل كلا من الرجلين على التسامح مع أخيه، وحمل ذاك الذي كان يعتدي على الكفّ عن العدوان، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”لا تباغضوا ولا تحاسدوا ولا تدابروا، وكونوا عباد الله إخوانا” وإن من حق كل إنسان أن ينجح، وأن يحقق النجاح لنفسه وفي وطنه، وأن يسهم في نجاح غيره، لا أن يكون عائقا، يوفر كل أسباب الفشل، قاطعا للطريق، وإن ضعفت همته، عن عمل الخير، يكف عن الناس أذاه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “تكف شرك عن الناس، فإنها صدقة منك على نفسك” وقال صلى الله عليه وسلم “مَن كان يؤمن بالله واليوم الآخر، فليقل خيرا أو ليصمت” فالإسلام دين يوصل إلى الخير، ويسعى إلى كبح الشر، ونشر السلم، إلى الاستقرار، وإلى تحقيق أمن بفكر آمن يلازمه، ونهى بذلك عن التحاسد والتباغض، والتدابر، فالتنافس له ضوابط شرعية وإخلاص، ولا يتكلم في العقاب والحدود إلا خاصته، العارفون به.
والراسخون في العلم لتنفيذه، فقال الله تعالى فى سورة الأنعام ” الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون” وفساد ذات البين تحلق الدين، وتدفع إلى زرع روح الانتقام في النفوس، فقال الله سبحانه وتعالى فى سورة المائدة ” وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان ” وقال أيضا رسول الله صلى الله عليه وسلم “ألا أحدثكم بما هو خير لكم من الصدقة والصيام، صلاح ذات البين، ألا وإن البغضة هي الحالقة” فقدّم ذلك على الصيام والصدقة، إن كانت البغضاء موجودة جعل لها الدواء أولا لأنها تقضي على الدين وتستأصله، وخسارة الإنسان الحقيقية هي خسارة دينه، وجاء أيضا في الحديث الشريف “المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يحقره ولا يخذله” وقال صلى الله عليه وسلم “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” وصلاح الفرد من صلاح المجتمع، والمجتمع الذي لا يسعى إلى فكر آمن إلى السلم والاستقرار.
لتسلم القلوب والنفوس للنجاة إلى المصالح الكلية التي هي قوام الدنيا بالدين، ويعيش هذا المجتمع في صراع نفسي يحمل هم العداوات والبغضاء والشحناء التي لا تنتهي يفشل لا محالة وإن توفرت له أسباب النجاح، وكذلك من الوسائل هو القضاء والحدود، فالعقاب العادل هو الوسيلة الوحيدة التي تردع من شب على الجريمة ولا سبيل لإصلاحه إلا بمعاقبته العقاب الذي يستحقه، ولهذا اهتم الإسلام بالقضاء وأعطيت هذه المهمة إلى الحاكم أو الوالى، فهو المسؤول عن القضاء فقد كان الخلفاء الراشدون هم الذين يفصلون في القضايا إضافة إلى وظيفتهم الأساسية في إدارة الدولة، وذلك لحساسية هذه المهمة لأنها تتعلق بتثبيت الحق من خلال معاقبة المسيء والإحسان إلى المحسن، وقد وضع الإسلام حدودا لمواجهة الأشرار رأفة منه بالمجتمع الذي تهدده الجريمة إذا لم يستخدم أساليب الرد، ويأتي دور القضاء بعد استنفاذ كل الوسائل والطرق في مكافحة الجريمة،
بعد استنفاذ وسيلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وعجز المجتمع عن استئصال الجريمة بالطرق السلمية، فكان لابد من اللجوء إلى آخر الدواء وهو القضاء، ليحكم القاضي بحكم الله ويصدر حكما رادعا يرتدع منه المنحرف ويمنعه عن مواصلة انحرافه، ويمنع من تسول له نفسه العبث بأمن الناس وأمن المجتمع، إذن الأمن الاجتماعي بحاجة إلى العصا الغليظة أيضا كما هو بحاجة إلى الكلمة الطيبة، فلولا الصرامة التي تواجه بها اللصوص لواصلوا تطاولهم على أموال الناس وممتلكاتهم، ولكي تصبح القوة إشارة رادعة تمنع الآخرين من ممارسة اللصوصية.