د. محمود محمد علي
اعجبتني كلمة فضيلة الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف، ورئيس مجلس حكماء المسلمين، في الافتتاحية باللقاء الدولي من أجل السلام بألمانيا، حين قال إنَّ عالمنا اليوم، لم يكن في عصرٍ من العصورِ السابقة بأحوجَ إلى الاستماع لصوتِ الأديانِ السماوية: صوتِ العقل والحكمة والتعارف، مِمَّا عليه الحال في عصرِنا هذا: عصرِ الأهوال والكوارث، والعبثِ بالأرواح وحُرمة الدِّماء، والسُّخريةِ من قِيَمِ الأديان وضوابط الأخلاق والفِطْرَة الإنسانيَّة، التي فطرَ اللهُ الناسَ عليها، والاستهانةِ بحقوق المظلومين والمستضعَفين والمعذَّبين في الأرض.
ثم يستطرد فيقول : وتجربتي الشخصية أيها السادة في حياتي التي أوشكت أن تلامس عقدها الثامن ، تصدق ما يقوله هذا الفيلسوف ، فقد ولدت في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1946م من القرن الماضي ، وما إن بلغت العاشرة حتى دهمت مدينتي ” مدينة الأقصر” التي تضم ثلث آثار العالم ، دهمها حرب العدوان الثلاثي في عام 1956م ودكت مطارها المدني ، وعرفت مع أقراني في طفولتنا الباكرة ، معنى الرعب والخوف ، وقضاء الليالي في الظلام الدامس ، وفي مغارات تحت الجبال نأوي إليها مع آخر ضوء من النهار ، ونخرج منها بعد الفجر ، هربا من قنابل تُرسل أضوائها الكاشفة ، ثم تعقبها تفجيرات تنخلع لها القلوب.
ثم يقول : ولم يمر على هذه الحرب أحد عشر عاما ، حتى دهمتنا في مصر حرب حزيران في عام 1967م ، وعشنا معها أياما أمر وأقسى من أيام حرب 56 ، تلتها سنوات شداد عجاف من اقتصاد الحروب وخسائر الأرواح ، وإن أنسى فلا أنسى قنبلة أُلقيت على مدرسة ابتدائية مكتظة بالأطفال والمدرسين والعاملين ، وأحالتهم في لحظات إلى أكوام من الشلاء المختلطة بتراب الانقاض .
ولم يكتف بذلك بل يقول: ثم دخلنا حرب تحرير سيناء عام 1973م تلكم التي عرفنا معها معنى العزة والكرامة والصمود والنصر ، وقد كنا نظن آنذاك أن عهد الحروب في منطقتنا قد ولى إلى غير رجعة ، وان حياة حافلة بالأمن والسلام والرخاء بدأت تشرق علينا من جديد ، وأن مؤسسات دولية عظمى تتعهد بحمايتنا من فوضى الحروب ، ومن القرارات الطائشة ، ومن تجارة السلام ، ووفرة الإنتاج الحربي ، وأولوية كل ذلك وتقديمه على حياة الإنسان ، وحقوقه ومصالحه. غير أن الرياح لم تأتي بما تشتهي السفن كما يقول الشاعر العربي ، فقد سارت الأمور بترتيب غامض مشبوه في مسار الإرهاب الذي حصد أرواح الناس باسم الإسلام ـ وعاث في منطقتنا من أقصاها إلى أقصاها ، ولم تكد تُكسر شوكته حتى أسلمنا إلى سلسلة جديدة من الحروب لا تزال آثارها المدمرة تتوالد وتتكاثر مع كل مطلع شمس ، بدأت بحرب الخليج ثم تطورت إلى غزو العراق ، وتدمير كثير من مؤسساته الحضارية ، والعسكرية ، والاقتصادية ، ثم امتدت إلى سوريا ، ولبنان شمالا ، ثم اتجهت جنوبا إلى اليمن ، ثم عبرت الساحل الإفريقي ، ثم ولت وجهها القبيح غربا إلى ليبيا ، ثم عبرت المتوسط ، وقسمت عالم الشمال ، بل العالم كله إلى ما يشبع معسكرين يقتتلان ، وآفة هذه الحرب الأخيرة ، أن تأثيرها الخانق ، عم العالم كله ، وأننا إن كنا نعرف بدايتها ، إلا أننا باليقين لا نعلم متى تكون نهايتها وعلى أي وضع ستكون.
ويذكر أن “اللقاء الدولي من أجل السلام”، هو تجمع دولي تنظمه جمعية سانت إيجيديو – وهي منظمة إنسانية مقرها العاصمة الإيطالية “روما” وتنتشر في 73 دولة في أوروبا وإفريقيا وأمريكا وآسيا – في العاصمة الألمانية برلين، في الفترة من ١٠ إلى ١٢ سبتمبر الحالي، بحضور السيد فرانك فالتر شتاينماير، رئيس الجمهورية الألمانية، وعدد من قادة الأديان والمجتمعات، والشخصيات السياسية؛ لبحث سبل تعزيز قيم السلام والأخوة الإنسانية، ومكافحة تزايد وتيرة الإسلاموفوبيا في أوروبا،