بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن القيام على المحتاجين وإعانتهم ومساعدتهم، وقضاء حوائجهم، وتسديد ديونهم سبب لتفريج الكربات وإغاثة اللهفات، ومن ذلكم بر الوالدين، والإحسان إليهما وإدخال السرور عليهما ولقد كان نبي الرحمة ورسول الإنسانية محمد صلى الله عليه وسلم، أسوة في أقواله وأفعاله، فإذا أمر بخير كان أسرع الناس إلى تنفيذه، وإذا أبلغ شيئا من الوحي كان أول من يلتزم به، فكان أشد الناس زهدا وورعا، وعبادة تقوى، وأعظمهم شجاعة وشهامة ومروءة وكرما، وأكبرهم تضحية وبذلا وفداء، وأكثرهم صبرا وحلما وعفوا، ولنا القدوة والأسوة فيه صلى الله عليه وسلم، فقال تعالى فى سورة الأحزاب ” لقد كان لكم فى رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” وهذه الآية الكريمة أصل كبير في التأسي برسول الله صلى الله عليه وسلم في أقواله وأفعاله وأحواله، ولهذا أمر الله تبارك وتعالى الناس بالتأسي به صلى الله عليه وسلم.
فكان إذا أمر بشيء أو نادى به فعله أولا قبل الناس ليتأسوا به، إنه أشرف الناس نسبا وأعظمهم مكانة وفضلا، فهو رسول الله محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان، وقد تزوج والد النبي صلى الله عليه وسلم عبد الله بن عبد المطلب من السيدة آمنة بنت وهب، وولد النبي الكريم عليه الصلاة والسلام يوم الاثنين الثاني عشر من شهر ربيع الأول من عام الفيل، وهو العام الذي توجه فيه أبرهة الأشرم لهدم الكعبة، إلا أن العرب تصدت له، وأخبره عبد المطلب بأن للبيت رب يحميه، فقدم أبرهة مع الفيلة، فأرسل عليهم الله عز وجل طيورا تحمل حجارة من نار أهلكتهم، وبذلك حمى الله تعالى البيت من أي أذى، وقد توفي والده وهو حمل في بطن أمه على الصحيح من أقوال العلماء.
فولد الرسول صلى الله عليه وسلم يتيما، فقال الله تعالى “ألم يجدك يتيما فآوى” وقد رضع صلى الله عليه وسلم من حليمة السعدية بعد أن قدمت إلى قريش تلتمس أيٍ من الرضعاء، وكان لها ابنا رضيعا لا تجد ما يسد جوعه، ذلك بعد أن رفضت نساء بن سعد إرضاع النبي صلى الله عليه وسلم بسبب فقده لوالده، ظنا منهن أن لا تعود عليهن رضاعته بالخير والأجر، وبسبب ذلك نالت حليمة السعدية بركة في حياتها وخيرا عظيما لم ترى مثله قط، ونشأ النبى صلى الله عليه وسلم بخلاف غيره من الشباب، من حيث القوة والشدة، وعادت به إلى أمه بعد أن بلغ العامين من عمره واستأذنتها ببقاء محمد عندها خوفا عليه من الأمراض في مكة، وعاد معها بالفعل، وفي أحد الأيام أتاه رجلان ذوي ثياب بيضاء شقا بطنه واستخرجا علقة سوداء منه، فكانت حادثة شق الصدر، وكان ذلك الأمر الفاصل في عودته إلى أمه، وقد توفيت والدة النبي صلى الله عليه وسلم.
آمنة بنت وهب وهو ابن ست سنوات، وكانت عائدة به من منطقة الأبواء وهي منطقة واقعة بين مكة والمدينة، إذ كانت في زيارة لأخواله من بني عدي من بني النجار، فانتقل بعدها للعيش في كفالة جده عبد المطلب حيث كان يعتني به اعتناء شديدا ظانا فيه الخير والشأن العظيم، ثم توفي جده والنبي صلى الله عليه وسلم في الثامنة من عمره، وانتقل بعدها للعيش في كفالة عمه أبي طالب، وكان يأخذه معه في رحلاته التجارية، وفي إحدى الرحلات أخبره إحدى الرهبان بأن محمدا سيكون ذو شأن عظيم، وقد عمل الرسول صلى الله عليه وسلم في رعي أغنام أهل مكة، وفي ذلك يقول صلى الله عليه وسلم ” ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم، فقال أصحابه وأنت؟ فقال صلى الله عليه وسلم نعم كنت أرعاها على قراريط، جزء من الدينار والدرهم، لأهل مكة” وبذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم قدوة في كسب الرزق، وكانت السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله عنها.
ذات مال كثير ونسب رفيع، وكانت تعمل في التجارة، وحين بلغها أن محمدا رجل صادق في قوله أمين في عمله كريم في أخلاقه استأمنته على الخروج تاجرا بأموالها، مع غلام لها يُدعى ميسرة مقابل الأجر، فخرج صلى الله عليه وسلم تاجرا إلى بلاد الشام، وجلس في الطريق تحت ظل شجرة قريبة من راهب، فأخبر الراهب ميسرة أن من نزل تحت تلك الشجرة لم يكن إلا نبيا، وأخبر ميسرة السيدة خديجة بقول الراهب، مما كان سببا في طلبها الزواج من الرسول صلى الله عليه وسلم، فخطبها له عمّه حمزة، وتزوجا، ولقد عقدت قريش العزم على تجديد بناء الكعبة لحمايتها من الهدم بسبب السيول، واشترطوا بناءها من الأموال الطيبة التي لم يدخلها أي نوع من الربا أو الظلم، وتجرأ الوليد بن المغيرة على الهدم، ثم شرعوا بالبناء شيئا فشيئا إلى أن وصلوا إلى موضع الحجر الأسود، إذ وقع الخلاف بينهم في من سيضعه في موضعه.
وتراضوا على قبول حكم أول داخل عليهم، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم وأشار عليهم بأن يضع الحجر الأسود على ثوب تحمله كل قبيلة من طرف ليضعه في مكانه، وقبلوا بحكمه دون خلاف، وبذلك كان رأي الرسول صلى الله عليه وسلم عاملا في عدم تنازع قبائل قريش وعدم خلافها فيما بينها، وأنه لما تم صلح الحديبية بين المسلمين وقريش ونصوا في بنودها أن يرجع المسلمون هذا العام بلا أداء العمرة ويعودوا في العام القادم، أمر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه أن ينحروا الهدي ويتحللوا من إحرامهم فقال صلى الله عليه وسلم “قوموا فانحروا ثم احلقوا” فتكاسل الصحابة حيث إن الشروط كانت جائرة على المسلمين، فدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم على السيدة أم سلمة مغضبا، وأخبرها بتخلف الناس عن أمره، فأشارت عليه صلى الله عليه وسلم بأن يُسرع في التنفيذ أمامهم، فقام صلى الله عليه وسلم فحلق رأسه، ونحر هديه، وتسابق الصحابة في التطبيق حتى كاد بعضهم يقتل بعضا من شدة الزحام.