بقلم/ د. فرج أحمد فرج
سرير الغواية .. رواية للاديب الدكتور اللبناني اشرف مسمار .. لم استغرب من العنوان ولكنه راقني الفضول ان اغوص بين دفتي الرواية ابحث عن نوع الغواية واين وجد السرير، الغواية هي من أخلد إلى متاع من متاع الدنيا، وسار خلف شهواته، وما تهواه نفسه فهو ملازم لغيه، وضلاله حال جهله، وحال تعلمه، لم ينتفع بالعلم، فيترك الغي، ويبتعد عنه .
والسرير هو للنوم والاضطجاع ليلا او في المستشفي لمرض او عند الطبيب للمعالجة او ارتكاب الرزيلة وهنا واجهنا الكاتب عبر ابطاله وطبيبه النفسي بقضية سفر الرجال وترك نسائهم نهبا للغواية والوحدة التي معها تنزلق للخطيئة فتقع فريسة للمتربصين للمرأة الوحيدة التي ليس لها سند او حاجز يردعها من الانفلات خلف ملذاتها وشهواتها .
ذكرني الاديب الدكتور برواية الاستاذ عبد خال لوعة الغواية .. ففيها ترادف اللَّوْعَةُ: التي هي حُرْقَةٌ في القَلْبِ، وألَمٌ من حُبٍّ أو هَمٍّ أو مَرَضٍ وكلها مر بها بطلها الي جانب الغواية تحت حجة عندما يغيب الاهتمام وحتى العتاب والسؤال عن تصرفات كهذه.
و يتغلب الألم على الفرح، ويتغلب الجفاء على القرب، ونفتقد تلك الأجنحة التي طالما كانت تحملنا لعوالم صارت اليوم حلمًا، ونستبدلها بقيود، قيود حقيقية أو من صنع ذاك الفتور الذي خيم علينا.
عندما يحدث كل ذلك، وأكثر…نكون قد سلكنا طريق اللاعودة في انهيار هذا الحب وهذا الارتباط.
نكون قد ظلمنا هذا الحب ويقينًا ظلمنا أنفسنا وظلمنا كل الأيام والذكريات والآمال التي شُيّدت كيف نعيد شبابنا الذي بدأنا نفقده. وقد يكون شباب القلب أهم من سنوات خلت من عمرنا الزمني.
الكتابة، فن يمكن إتقانه مع التدريب والممارسة، ولكن بالنتيجة هي خلق، وإن كان فوق كل ذلك الخالق البارئ المصور الكتابة تطوير أفكار وهواجس، معان قد تكون موجودة على قارعة الطريق، كما يقول الجاحظ، معانً تلازمنا في تفاصيل يومياتنا، في معاناة من نعرفهم من أشخاص، أو نسمع حكاياهم على الألسن، أو حتى ما نقرأ في وجوههم وحركاتهم وردات فعلهم حتى وان كانوا مارة على طريق، أوموظفون في دائرة ، أو سياح على شاطئ.
نترجم بالكتابة، بعضًا من مشاعر وأحاسيس وأفكار وانفعالات ، نخطها على ورق بعد أن تأخذ حيزًا من تفكيرنا. نفضي ونبوح بها لمن يجدون فيها ضالتهم، أو سلواهم. ونترجم عنهم ما يجول في ذواتهم عندما تخونهم القدرة على تدوين كل ذلك على شكل حروف نابضة على ورق.
هي تثمين ما تختزله الذاكرة وتغليفه وإظهاره بحلة جميلة بالكتابة، نجد أكثر من حياة أو ربما نصنع حيوات على مقاسنا أو مقاس أحلامنا وهواجسنا. نعوض قصور حياتنا الواقعية المادية واقتصارها على حياة واحدة فقط.
الكتابة، كما الكثير من الأفعال، الهوايات، الطقوس، التي ندأب عليها، نجد بها جزءً من ذاتنا المرهقة المنغمسة في الحطام الذي يحيط بنا. هي فائض حديث النفس مع ذاتها، نتعرف بها على شيء من أنفسنا الكتابة هي احتيال على الوقت، والحياة، ويقينا احتيال على الموت لنخلد
أنفسنا أو أقله نخلد إسمنا.
الم يكن حجر الفلاسفة، واكسير الحياة، ضالة القدماء. عقار أسطوري أو ما شابه، يُضمن بتناوله حياة أبدية أو شباب دائم، قد سعى إليه العديد من ابطال الرواية مراد الزوج المسافر في افريقيا سعيا وراء الرزق وتوفير مستلزمات الحياة الكريمة لزوجته مونيكا والتي سماها ابوها بهذا الاسم حبا في مونيكا احدي بطلات مسلسل رافت الهجان . بخلاف اسماء الشجرة في البناء الدرامي سلاسة العرض وطرح الافكار كانت بمثابة الاغتراف من البحر ، لا تعقيد في الجمل الوصفية والانشائية بل كانت جميعا سهلة الفهم والتذوق المنزلق مع ايضاح الافكار ، لاننا لصفحات كثيرة علي سرير المستشفي ومرة اخري علي شيزلونج الطبيب النفسي مونيكا تلك المراة المتمردة علي نفسها وجسدها ورغباتها وخاصة انها قد عبرت بعمرها في العقد الثالث والذي في هذا العمر نبدأ بالتفكير جديًا به، كما ونبدأ بملاحظة آثاره، آثار الحزن التي تترجم أخاديدًا في وجوهنا: بعضها صنيعة الدموع، وأخرى صنيعة الألم وتعابير الغضب وتقطيب الحواجب وغياب الابتسامات.
في العقد الثالث من العمر نبدأ بالتفكير جديًا، أننا قد نكون أمضينا ما يقارب نصف عمرنا من دون أن نلتفت لذلك، من دون أن نلتفت لأنفسنا، من دون أن نعطي أنفسنا ما نستحق ، من دون أن نحب ذاتنا كما تستحق.
لم تجد سندا لها من اخيها او خالتها والتي اعتبرتها رفيقة او ملجأ لها حينما تحتاج اليها او وناسة لها في غياب زوجها وتعوضها عن امها وخاصة بعد وفاتها ، وكلما وجدت ظهور افكار شاذة لديها او فعل مارق تقوم به ولا يروق لها ، تسمها بالجنون او مس الجن ، تلك هي ثقافة جبلت عليها .
الروائي من عباراته ودراسته للطب تظهر جلية في عرض حركات جسد بطلته بمفردات لغة الجسد كاستخدام حركات العينين واشارات اليد وطريقة امساك الاشياء وازاحة خصلات الشعر وعرض سيكولجيات الالوان ودلالتها وخاصة الالوان الحارة والباردة واستخدماتها.
تستطيع المراة ان تجذب الرجل لغوايتها ليس فقط بملابسها ولكن بسبب ما تملك من جاذبية وجمال، ، ولكن الرجل هو الرجل، يبدو وكأنه في صيد دائم، يبحث عن إمرأة تريد أن تهرب ليهرب معها غلبت مهنة الروائي علي احداث الرواية فخرجت واقعية في دوره في المستشفي او وصف الحالات او العيادة الخاصة للطبيب النفسي والوصف العلمي عن كيفية انجاب الذكور والاناث في شرح مبسط خضوع الانثي في الشرق لنظم الاسرة الذكورية تدليل الذكر في الاسرة علي حساب الانثي في الترتيب العائلي وهي التي تاصل لديها الطاعة والخدمة للرجل كم هي المراة مهما كانت ثقافتها وعقلها تنسي كل شيء ان تتلقي نظرات الاعجاب من الرجال وتسمع كلمات الاطراء وتحب المغازلة وتبدها باشارات لغة الجسد باليونة في الكلام والغنج في بعض الجمل وتستحسن الرجل الجنتل الذي ان سلم عليها قبل يدها اخيرا ظهر السرير مع الخيانة في صفحة 64 اي في منتصف الرواية وبدء في المستشفي وفي عيادة الطبيب النفسي.
الغواية تبدء من المراة بعد ان تستبيح اخطاءها وتجد للخطيئة مبررا رواية مُحيرة، فرغم الاشتهاء الذي ينسال في أرضية الرواية، ورغم آبار الرغبة التي اندلقت بفنية، فأغرقت أبطالها. ومن خلال تعدد حالات الاشتهاء حتى الوصول لطرح رشيق للمثلية الجنسية، رغم هذا، فالملائكية هي الصفة الأوضح لأبطال هذا العمل، حيث يقدم الكاتب الجنس هنا ـ بصورته الحقيقية ـ أنه جزء من الحياة وليس شذوذًا ولا خروجًا عنها، هي لحظة الضعف الإنساني حين تتوحد مع الغواية، حين تلامس الفساد والرشوة، تنتج لنا هذا العمل في لغة وصفية معجونة بالشبق الجرئ على اقتحام لحظات الانجذاب البشرى.
روايات مستغاني ذاكرة الجسد وغواية الجسد للكاتب المغربي مصطفي الحمداوي استخدمت في سرير الغواية كل وسائل الاتصال الحديثة لاقاع فرائسةا مثل انثي العنكبوت تناول الكاتب الجنس باستحياء كبيرولم يذكر اي حدث جنسي اغرائي مثل الاخريين الذين تحدثوا في هذا الموضوع بصراحة وسموا الاشياء باسمائها للاوضاع الممتعة والاعضاء الجنسية وكما تقال باللغة الدارجة في ثقافتهم ، في كل رجل فراغ ما كما في روايات الاديبة علويه صبح وروايات البرتو مورافيا ، كل رجل ينتظر امرأة أن تملؤه، لا بد من أن يرى فيها شي مميزا له ولديها القدرة ان تسوقه للمحطة التي يرسوا عليها .
مونيكا التي زهدت زوجها ولم تري فيه اي ميزة تجعلها تتمسك به .. رغم انه كان يغطي كافة احتياجاتها ليرضيها ومع ذلك تبترت علي نعمة الاستقرار والرضي وسعت لكل وسائل الانتقام منه واتبعت السبل كي يكرهها ويطلقها وفي اتصال به .. مراد أشعر أنني زوجة مع وقف التنفيذ، وغياب المستمع المُحب، وفراغ زمني ممل مضجر, بالإضافة للفراغ العاطفي الكبير، وكذلك الجنسي.
لا أستطيع تجاوز كل ذلك. لا أنا أستطيع السفر والعيش معك في إفريقيا، ولا انت قادر على اتخاذ قرار العودة نهائيا للوطن كما لا أستطيع تحمل المُضايقة، التحرش، وتلك الأفعال غير المرحب بها من النوع النفسي، الجنسي، اللفظي أو الجسدي الذي أتعرض له دائمًا كوني امرأة جذابة، تعيش وحيدة من دون زوجها المسافر، وهي بالتالي بمفهوم الكثيرين امرأة ممكنة الاصطياد.
امراة عرضة لانتهاكات ربما تكون بسيطة، ومضايقات جادة من مثل التلفظ بتلميحات مسيئة من منطلقات عدة، علها تُثمر صيدًا.
تصف حال اسرتها للطبيب النفسي إن رقي الرجل رهن بارتقاء المرأة تلك حقيقة تفرض نفسها على الواقع ولا مجال للمكابرة فيها. المرأة المقيدة تشكل قيدًا صريحًا أو خفيًا لانطلاقة الرجل
إن الاستلاب الجنسي يزداد بازدياد الاستلاب الاقتصادي دائما الرجل ينصب شباكة لفريسته عندما تكون مثل مونيكا مهزوزة وضعيفة ومريضة وان يكون لديها الاستعداد للخيانة والرجل يقرء ذلك بحرفية شديدة من حركات ولغة جسد المرأة .
تركت مونيكا جسدها لكل طالب رغبة ينهل منها شبقه .. الي ان وقفت وقفة ظنتها الاخيرة بصيد ثمين حقق لها بعض احلامها وظنت هي الاخري انها قد وصلت به لحد الغواية التي لا يستطيع الفكاك عنها .. وهو في الحقيقة كان يستخدمها لاغراضة واعمالة الغير قانونية في غسيل الاموال والتهريب للانوع الجديدة من المخدرات الي ان وقع الجميع في قبضة القانون ومعهم مونيكا التي كانت تحمل المخدرات في حلي ثمين دون ان تدري وهذه الجريمة عقوبتها الاعدام .
في النهاية استعير من كتابات الاديب الدكتور اشرف مسمار الذي استمتعت معه في هذه الرواية وكم كان بارعا من استخدام ادواته بكل حرفية في الكتابة يعبّر الفرد عن ذاته، عن ميوله وأفكاره ومعتقداته واهتماماته وحتى انفعالاته. ينفث أحاسيسه، و يبني أفكاره وينسقها وينظمها. وقبل
أن يبثها لقارئ، يبثها لنفسه، التي يدأب في البحث عنها وعن فؤاده، وعن الشخص الذي حلم أن يكونه، عله يصل إلى السلام النفسي، إلى الرضا في الكتابة نهرق شيأ من ذاتنا في سبيل ما يمكن أن يكون أو لًا ، الطريق الذي نبحث عنه، ولاحقًا الهدف، وربما في النهاية ما يخلدنا أو يخلد