بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن من رحمة الله سبحانه وتعالي أنه يدفع فساد المفسدين بجهاد المصلحين وذلك كما جاء فى سورة البقرة ” ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لفسدت الأرض، ولكن الله ذو فضل على العالمين” وإن مسؤولية المصلحين عظيمة، فواجبهم أن يعتصموا بحبل الله جميعا ضد المفسدين، فالمفسدون مهما تباعدت ديارهم واختلفت ألوانهم وألسنتهم، فإنهم جبهة واحدة وصف واحد ضد الإصلاح والمصلحين، وما لم يكن للمصلحين صف واحد ضدهم فالفساد سيظل يكبر ويكبر حتى لا يستطيع أحد أن يقف أمامه، فقال الله تعالى فى سورة الأنفال “والذين كفروا بعضهم أولياء بعض إلا تفعلوه تكن فتنة في الأرض وفساد كبير” وإن الأمل الوحيد في إنقاذ الأرض من المفسدين في كل الأزمنة والأمكنة، يكمن في قيام أهل الحق والإصلاح بمسؤولياتهم أمرا بالمعروف ونهيا عن المنكر.
وجهادا في سبيل الله فقد قال الله تعالى فى سورة هود” فلولا كان من القرون من قبلكم أولو بقية ينهون عن الفساد في الأرض إلا قليلا ممن أنجينا منهم، واتبع الذين ظلموا ما أترفوا فيه وكانوا مجرمين، وما كان ربك ليهلك القرى بظلم وأهلها مصلحون، ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة، ولا يزالون مختلفين، إلا من رحم ربك ولذلك خلقهم وتمت كلمة ربك لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين” وإن سبيل المصلحين معروف، وسبيل المفسدين معروف، والإصلاح ضد الفساد، والفطر والعقول السليمة تميز ذلك، ولا يمكن أن يلبس على الناس في الإصلاح والإفساد أحد، ولا يروج ذلك إلا على الأغبياء، فإن الفساد في الأرض مرتعه وخيم وشأنه عظيم، وله صور كثيرة متعددة، وينبغي الانتباه له لئلا يخفى، فإن الله حذرنا من قوم كما جاء فى سورة البقرة.
” وإذا قيل لهم لا تفسدوا فى الأرض قالوا إنما نحن مصلحون، ألا إنهم هم المفسدون ” وإن من الإفساد في الأرض ما يكون بنشر الكفر والشرك فيها كما تقدم، ومن الإفساد في الأرض ما يكون بنشر الشهوات، وأنواع الانحرافات، والرذائل، والقبائح التي ينشأ عنها أولاد الحرام، وهتك الأعراض، وضياع الأسر، والأمراض الخبيثة، ومن الفساد ما ينشأ عنه قتل الذرية، والأطفال، والنساء، وإفساد الزرع، والضرع، وقد قال الله تعالى عن فاعل هذه الجريمة كما جاء فى سورة البقرة ” وإذا تولى سعى فى الأرض ليفسد فيها ويهلك الحرث والنسل والله لا يحب الفساد ” فهؤلاء يتولون للإفساد في الأرض، وتخريب مصالحها على أهلها، والعمل على قتل الذرية، ووأدهم، وتشريد الناس، وخراب بيوتهم، وإفساد زروعهم، وصحتهم، وأجسادهم، الفساد العظيم في الأرض.
ومن الفساد ما يكون بسائر المعاصي كأكل الربا ونشره، وأكل مال اليتيم، وقذف المحصنات المؤمنات الغافلات، وعقوق الوالدين، وشهادة الزور، والزنا، والخمر، وقطع الرحم، كما جاء فى سورة محمد ” فهل عسيتم إن توليتم أن تفسدوا فى الأرض وتقطعوا أرحامكم ” وكذلك إخافة السبيل، وقطع الطريق على الناس، ولذلك لما جاء العرنيون فاستوخموا المدينة وأمر النبي صلى الله عليه وسلم لهم بإبل وراع يخدمهم ويسقيهم من ألبانها، فلما صحوا قتلوا الراعي، وأخذوا الإبل فنهبوها، أرسل النبي صلى الله عليه وسلم جنود الإسلام في آثارهم، فأتي بهم، فقطع أيديهم وأرجلهم وفقأ أعينهم كما فعلوا في عين الراعي، من هنا قال الله تعالى كما جاء فى سورة المائدة ” إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ” فهم يحاربون دين الإسلام، كفار، مشركون، مرتدون، بجميع أنواع الكفرة.