جريمة الإنتحار


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن المؤمن الذي رضي بالله تعالي ربا، وبالإسلام دينا، وبمحمد صلى الله عليه وسلم نبيا، وباليوم الآخر مصيرا، لا يفكر في هدم بنيان الله عز وجل، ولا في وضع حد لمشروع حياة أراد له الخالق سبحانه أن يستمر إلى حين لكونه يعلم أولا أن نفس الإنسان ملك للخالق، وحق التصرف المعطى له لا يخول له إعدامها، ولأنه يعلم ثانيا أن الانتحار ليس حلا بمنطق الدنيا والدين فهو انسحاب سلبي من الحياة، وخسران لدار هي الحياة، حيث قال الله عز وجل فى سورة العنكبوت ” وإن الدار الآخرة لهى الحيوان لو كانوا يعلمون” إذ، فلا يُقبل على الانتحار إلا من فَقد وجهته في الحياة، وكان يعيش بعيدا عن واهب الحياة جل جلاله، وإن المؤمن حقا يعشق الحياة ويعمرها بصالح الأعمال، وأقصى ما يتصور في المسلم إذا كثرت عليه الخطوب والهموم أن يطلب من الله حسن الاختيار، لا أن يختار بنفسه المصير المجهول، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه.

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “لا يتمنين أحدكم الموت لضر نزل به، فإما محسنا فعسى أن يزداد، وإما مسيئا فعسى أن يتوب” رواه البخارى ومسلم، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم في حديث آخر “فإن كان لا محالة، فليقل اللهم أحيِني ما علمت الحياة خيرا لي، وتوفني إذا كانت الوفاة خيرا لي” بل ورد أن ” خير الناس من طال عمره وحسن عمله” لذلك كله حرم الإسلام قتل النفس بغير حق، واعتبر قتل الإنسان نفسه في الجرم والبشاعة أعظم، وعد القتل في الحالين كبيرة من الكبائر وجريمة من أعظم الجرائم، وأوعد على ذلك بالعقاب الأليم، وموضوع الانتحار يمكن النظر إليه من جانبين، فالجانب الأول وهو وصول الحالَة المرضية إلى مستوى الذروة حين يفقد المريض وعيه، فهنا يسقط عنه التكليف، والمسؤولية يتحملها أهل المريض مراقبة وتمريضا بعرضه على الطبيب الاختصاصي، وكثيرا ما يخطئ أقارب المريض مرضا نفسيا.

فيعاملونه معاملة الأصحاء وهو غير صحيح، ما دام مرضه غير مشاهد لأنه يتعلق بوجدانه ومشاعره وأحاسيسه، فلا بد هنا من الصبر على تمريض المريض فإن كان صبره صبر اضطرار، فصبر الأهل صبر اختيار، ومن ثم يضاعف لهم الأجر والثواب، والحقيقة أن الأشد ألما من المرض على المريض لا مبالاة أهله وتبرمهم منه، وأما عن الجانب الثاني وهو حالة الإنسان السوي الذي يفكر في الانتحار إثر تدافع أسباب متعددة جعلته يعيش حالة اليأس والاكتئاب وهذه الحالة هي التي ينفع معها الكلام، ويتركز فيها الخطاب، ويقول الله تعالى فى سورة النساء ” ولا تقتلوا أنفسكم إن الله كان بكم رحيما” ويقول تعالى فى سورة البقرة “ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة” وعن أبي هريرة رضى الله عنه قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.

“من قتل نفسه بحديدة، فحديدته في يده يتوجأ بها في بطنه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن شرب سُما فقتل نفسه فهو يتحساه في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا، ومن تردّى من جبل فقتل نفسه فهو يتردى في نار جهنم خالدا مخلدا فيها أبدا” رواه البخارى ومسلم، وقيل أنه جمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمشركين قتال، فأبلى رجل من المسلمين بلاء حسنا، أثنى عليه أصحابه ثناء جميلا، فقال صلى الله عليه وسلم “أما إنه من أهل النار” فتعجب الصحابة، وتبعه واحد منهم فلاحظ بعينيه مصداق خبر المعصوم لم يصبر الرجل على جرح شديد أصابه، فاستعجل الموت، فوضع نصل سيفه بالأرض وذبابه بين ثدييه، ثم تحامل على سيفه فقتل نفسه، فعاد الصحابي الذي تبعه يقول أشهد أنك رسول الله، فأخبرهم حقيقة ما رأى، فأعظم الناس الخبر، فقال صلى الله عليه وسلم عند ذلك.

“إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو للناس وهو من أهل النار، وإن الرجل ليعمل عمل أهل النار فيما يبدو للناس وهو من أهل الجنة” رواه البخارى ومسلم، وفي حديث آخر، قال صلى الله عليه وسلم “كان برجل جراح فقتل نفسه، فقال الله عز وجل، بدرني عبدي بنفسه، حرّمت عليه الجنة” وهكذا يحارب الإسلام هذه الجريمة بمحاربة الدوافع والأسباب المتعددة التي تلجئ المنتحر إلى الانتحار، كعادة هذا الدين العظيم في تطبيبه للداء وقائيا قَبل استفحاله وتعذر العلاج أو استعصائه، ولا شك أن للفكر والتصور أثرا أساسيا في توجيه السلوك فالإنسان الذي يعيش الحيرة والشك، ويحيا بلا هدف قد يرتكب حماقات، ويقدم على سلوكيات يكون فيها حتفه، في حين نجد المؤمن يحيا حياته بهدفية، حيث أنه يعرف من أين جاء، ولماذا جاء، وإلى أين سيذهب بعد انتهاء رحلة الحياة، راضى بقضاء الله وقدره، لا يعيش بين ” لو، وليت” فهو حريص على ما ينفعه،

ويعلم يقينا أن دوام الحال من المحال، وأن هذه الحياة فيها أفراح وأتراح، وأتراحها أكثر من أفراحها، فهذا الإيمان يصنع منه إنسانا لا يخاف على رزقه أو أجله، فإن كان هناك إنسان هذا تصوره، وهذا تفكيره، فإنه لا يعيش الأمراض النفسية أو العصبية، وانه لا يتطرق إليه اكتئاب ولا هم أو غم، وإنما يعيش جنة الدنيا قبل جنة الآخرة، عامرا دنياه بذكر الله والعمل الصالح، وتلاوة كتاب الله وتطبيق الصلاة، والإكثار من الدعاء بالأسحار، فهذه مقومات السعادة الطاردة لشبح التعاسة، مصداق ذلك هذه التوجيهات الربانية، فقال تعالى فى سورة النحل ” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” وقال الله عز وجل فى سورة الرعد ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب، الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب” وبهذا المنهج الإسلامى يربح المرء صحته النفسية، ويقنع بما قسم الله.

فقال تعالى فى سورة النحل ” من عمل صالحا من ذكر أو أنثى وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة ولنجزينهم أجرهم بأحسن ما كانوا يعملون” وقال الله عز وجل فى سورة الرعد ” ألا بذكر الله تطمئن القلوب، الذين آمنوا وعملوا الصالحات طوبى لهم وحسن مآب” وبهذا المنهج الإسلامى يربح المرء صحته النفسية، ويقنع بما قسم الله له، ويتأكد أن عين السعادة ليست في كثرة الأموال بقدر ما هي في القناعة التي تنبعث من القلب، فقال صلى الله عليه وسلم “من أصبح آمنا في سربه، معافى في جسده، عنده قوت يومه، فكأنما حيزت له الدنيا بحذافيرها” وكما يجب تحمل المسؤولية الفردية، بتحقيق التوكل الحقيقي القاضي بأخذ الأسباب، والإيمان بقَضاء الله وقدره دون الاحتجاج به على فعل المعاصي، فقال تعالى فى سورة آل عمران ” قل هو من عند أنفسكم”

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.