كتب / د. فرج أحمد فرج
اهداني الروائي اللبناني الدكتور أشرف المسمار روايته الثالثة بعنوان ثالث ثلاثة .. ولشغفي في قراءة أي إبداع من هذه البلد ولأنني لست ناقدا فلن أكتب عن هذه الرواية برؤية الناقد بل سأكتب خواطري من شزرات هذا الروائي الذي أراه جرئ ويكتب كسابقيه التي غلبت عليهم مهنتهم مثل الرائع الدكتور مصطفي محمود الذي اثري المكتبة العربية بمجموعات أدبية اختلطت فيها العلم والأدب في بوتقة الإبداع .
عنوان الرواية ثالث ثلاثة فاح منها الغموض والحيرة في التفسير .. لماذا ثلاثة وليس أربعة أو خمسة .. هل السحر والاسرار وراء الإختيار .
ولماذا اعقبها بشظايا الروح أو الذات .. هل لانكسارها وتفتتها وتفرقها وتتطايرها ، فالرقم ثلاثة والذي اختاره عنوانا للرواية بعد البحث وجد ان دلالة هذا الرقم يجلب الحظ لصاحبه وسماع الأخبار المبشرة والمفرحة ونيل الخيرات والبركة في المعيشة .
وله من السحر ما يدل عن مراحل حياة الإنسان .. ميلاد شباب شيخوخة، ونحن نعيش بالاستفهامات الثلاثة من؟ اين؟ كيف؟ .
وللرقم تواتر كبير في استخدماتنا الحياتية ، الديانات السماوية .. ثلاثة ، والحاجات ثلاثة . للروح والعقل والجسم ، وهو رقم الصعود ومفتاح وجودنا ومثلث الحكمة والوعي والقوة .
الغلاف لرجل وإمرأة سلويت غير محددة الملامح وهذا ما اضفي غموضا علي شخوص الرواية ومصيرها وبالوان نسميها ألوان الموت لم أجد شظايا بالغلاف ، والعناصر الأساسية في عائلة البناء الدرامي .. واخراج الرواية مميز ولكنه نمطي كباقي الروايات .. ودلالة الأسماء في الرواية تعبر تماما عن أحداث أبطالها ،، يم ،، الحبيبة ذاك الإسم للبحر العميق الذي لا يدرك قعره واغواره .. غاصت فيه العذابات والهلاك .
ويام .. الإسم الذي اختارته يم لحبيبها .. الإبن الضال من أسماء أبناء نوح عليه السلام الذي لم ينصاع لنداء أبيه وأهله ،، يا بني أركب معنا،، كي تنجو من الغرق .
كم من الممارسات اللامنطقية وبلا وعي وإدراك لحقائق الأمور قد بصمت علي عقول اولادنا ان يكفروا بالأرض التي ولدوا ونشأوا فيها وكانت تغمرهم الأحلام الوردية بالعيش الكريم في سلام وأمان .
ولكن صدموا بالاكاذيب والزيف والفساد وأصبحوا قليل الحيلة مما دفعهم إلي أن يوزنوها .. خربانه .. خربانه !.
فألقوا بأنفسهم في سفن الغيب تتلاطمها الأمواج ويقذفهم الطوفان لأرض لا يعرفون فيها مصيرهم ولا يعلمون أين سترسوا تلك السفن علي ولا علي أي أرض سيخطون خطواتهم القادمة مع أمل بهيم في ارض غريبه وسماء ملبدة بالغيوم .. تحت لافتة الهجرة لا السفر ، ظنا منهم أنهم تركوا الشرق المترب بحروبه وتفرقه ونعراته الطائفية للغرب المشرق بالحرية والديمقراطية .ووهم ان حياتهم ستتجدد وفقا اختياراتهم ورغباتهم في ظل الحرية المطلقة بولادة جديدة .
والعيش في التيه للوصول الي الحقيقة .. حتي ولو كانت النهاية غير سعيدة .. ونقف وكلنا تساؤل هذا مصير من عاش في بيئة غير بيئته التي تحمل جيناته وتحدد هويته .
نحن ابناء الشرق تحمل خلايانا الرجولة والشهانة وامامها أيضاً تهدر حقوق المرأة التي تعيش في الغبن والظلم المحكوم بضوابط الأعراف والانضباط المجتمعي .. يراها الغرب لاتواكب معطيات العصر المتلاحقة أمام التكنولوجيا والاختراعات وإيجاد أساليب جديدة للحياة ، تعتمد علي الخيال والسعي لتحقيق ذلك من خلال البرمجة الإلكترونية .
عاشت يم مع زوجها عزابتهم بصبر ومثابرة إلي أن أخذا معا قرار الهروب من الواقع الذي فرض عليهم ان يعيشا في الشتات وتقول له يام لديك الماء .. لكن ليس لديك الروح ؟حتي موته من قبل المتصارعين في إحدى الكمائن وتركها لمصيرها تمضي فيه وحيدة
هناك كتاب يكتبون اللغز والنهاية قبل الولوج في عمقها وترتيب مفاصلها بداية ووسط ونهاية والدكنور أشرف المسمار أتبع هذا الأسلوب في روايته ثالث ثلاثة .
ابتدء الشزرة الاولي .. سلم بالاف الدرجات في قلعة الرعب والخوف في افلام دراكولا ينتهي لغرفة الموت بالخزوق ..فكانت يم وصديقتها الالمانية هما من فازا من خلال الشركة السياحية لزيارة الاثنتين الفأزتين لتجربة ولعبة الرعب ان يبيتا ليلة في غياباتها .. والتي انتهت بموت واحدة من الاثنين واختفاء الاخري
لكن الكاميرات والموبايل الصندوق الاسود لهذا الزمان كشفا بعض اسرار النهاية .
الشزرة الثانية : احلامنا تخوننا في بعض الاحيان ونتيه في سرابها وتشرعنا بالخذلان ونصارع مع اعماقنا كموج لجي في بحر هائج يتصارع فيه الجميع للنجاة والبقاء للاقوي ، يا تري لماذا كل هذا الصراع والسعي لقتل منا للاخر .. اهي غريزة القتل التي جبل بها الانسان منذ ولوجه للارض وقتل الاخ للاخ .. ام اجابة لسؤال ،، اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء .
الشزرة الثالثة .. نعيش عمرنا نسعي فيه لواحة الراحة وركن نركن فيه نستشعر فيه بالامان ولكن تغيرات اجسادنا لا تعطي لنا هذا القصد .. لاننا نعيش في هذه الحياة عذابات متلاحقة .. واحدة تلو الاخري .. ولا عاصم لنا غير التراب الذي خلقنا منه .. هي دورة الحياة منها واليها نعود بكل مراحل التكريس مع كل مرحلة عمر .
نبحث فيها عن ملجأ يشعرنا بالطمأنينة والامان .. ولن نجد غير حضن مهما تبدلت بنا الاحضان غير حضن الام الكبيرة والصغيرة والمعنوية والرمزية .. فلا ملجأ ولا امان غير حضنها تحت مظلة النمو البيولوجي والثقافة والعادات والتقاليد وتابوهاتها ومحاذيرها التي تخلق الانضباط الاجتماعي .
الواقع يشعرنا بأننا لسنا من يعيش علي هذه الارض بمفردنا .. فيكفي مداعبة الرياح وبعثرة خصلات شعرنا وصوت امواج البحر والاشياء الصغيرة النونو التي تحمل البراءة واللطافة فنحن نحناج للحميمية التي نشعر بها في لمسة او حضن او قبلة بريئة نشعر فيها باللذة والنشوة التي تغمر خلايا اجسادنا وشتات مشاعرنا .
غالبا ما نمارس نفس الشيئ الذي اشعرنا بالالم لشعورنا بأننا ضحية ، وبحيلة دفاعية لم تؤد الا الي شعور أني بالرضا وشعور اكبر وادوم بالذنب والضياع .
اصبحت الهجرة ملجأ لنا للهروب من شرور أنفسنا وسيئات اعمالنا وصراع السلطة والحكم بحروب مصطنعة لاعداء تسلطت علينا تحت شعارات ونعرات طائفية ودينية والصراع عن الثروة ، الوطن ليس فندقا وجب مغادرته عندما تسوء الخدمة فيه !
الوطن عندما يفقد السيطرة علي الاوضاع وبات الشعور الغالب فيه هو العجز تجاه الاحداث المروعة والمتلاحقة ونتعرض فيه للقمة عيشنا ،هذا هوالخلل الذي يعمق فينا يوما بعد يوم اننا امة ان لم يفجعها الموت بغباء من يحرسونها .. يكفيها ان تجرفنا للفقر والهم والغم .
ونحن في الغربة نعلم اننا لسنا من نبت هذه الارض ولسنا من ترابها ويسمونا بالاجئين وتدهمنا النظرة الدونية والعنصرية والتميز، وهذا الشعور لم يزيل عنا الشعور بالامان والاطمئنان ، في البداية ننجر للفكرة الذهبية .. التي تدفعنا للافعال المتهورة والتي تصل لحد المقامرة بارواحنا في الهجرة الغير شرعية عذابات ننزوي فيها بين الدروب والاقبية نتسائل لماذا تلفظنا اوطاننا كرها .. الامنا الجسدية قد يمكننا التغلب عليها ولكن ماذا نفعل لارواحنا التي اجترحت وأصابها الكدر وتكسر مستقبلها وطفولتنا التي سرقت منها برائتها واحلامها في غيابات المجهول في ظلام الجب الذي اسقطونا فيه .
في الهجرة نرنو الي عالم يسوده السلام وتخفت فيه ابواق الحرب ولعالم يقدر التعليم ظنا منا اننا سننعم تحت راية الاقوياء بالسلام والامان .
عندما يتقيح جسد الوطن يقوي تجار البشر سواءا من يقتولوننا اويسلبونا ادميتنا ، هم ليسوا بشرا امثالنا ، بل براثن جرثومية في جسد الوطن .
الدكتور اشرف في متن روايته عرض تجربة نجحت ان تنزح الي بلد معروفة ضمن السبع الكبار في العالم وينعم فيها المواطن بالحرية المطلقة .. تعتصر خلجات يم في معسكر الايواء للمهاجرين ، الاوطان التي ظننا قبل التفكير لمغادرتها الي اوروبا المتحضرة وينعم فيها الانسان بأنسانيته .. لم نجد فيها غير الازدراء والاهانة للمهاجرين والقائهم في اماكن حقيرة لا تمت للانسانية .
وما اقسي لحظات العجز التي تأسرك وترميك في سجن الخذلان واليأس حتي تكاد تألف الظلم ويسيطر عليك الاحباط والضيق والتوتر حتي تصل حدها في الانخفاض للثقة بالنفس ، وملامح الحزن والالم والبؤس تشهد علي كم الاسي والانين والاهات والوجع مع الثياب الممزقة الرثة تستر جسدا وتكشف عري روحنا ونفوسنا واجسادنا المتسخة التي عجزت دموع مأقينا عن غسل ما فيها .
لم نجد في تلك البلدان التي تتشدق بحقوق الانسان غير اللافتات والشعارات البراقة للاحزاب التي تصفنا علي حدودها للحصول علي رقم ، فقد تحولنا في الشتات الي ارقام ولم يعد لانسياتنا وجود ، فنحن ننعت بالعالم الثالث الذي يشكل الفساد ولا تلد رحمه الا جهلا وظلما وتخلف وارهابا وتعصب ويطبق فيه القانون علي الضعيف فقط ولا يتساوي الناس فيه للثواب والعقاب بالتماثل ، تلك الصورة القميئة للمهاجرين التي ازاحتهم اوطانهم للمجهول بسبب جهلهم ونعراتهم الغبية التي تدفعهم للحروب والفقر والجهل والمرض .
في المهجر ترك المسمار بطلته للتجربة وازاحة افكارها وعقيدتها وقدرها وجنسها الذي جبلت به من الله منذ ان ولدت واختارت الي ان ترضي بافكار الغرب البراقة للحرية الشخصية ، فاختارت ان تتحول من انثوتها الي رجل لانها وقعت في حب انثي شغفتها حبا .
وللاسف لم اشعر بحديث الانثي عن الانثي في وصف ايلينا التي احبتها يم بل كان وصفا لا يصفه الا رجل لانثي .
وهذا يدفعنا الي السؤال الذي طرح .. ان يعتز كل بجنسه وجندره سواءا ذكرا ام انثي ولذلك التحقق منذ الصغر لرغبة الانسان ان يكون كيف يشاء وهذا هو هم الغرب وما نراه في المثلية والترويج لها ما عتري الظاهرة بالاهتمام وجعل لها يوما عالميا الاحتفال به كل عام وسن لها القوانين بأعتباره حق من حقوق الانسان ونوع من الحرية .
وهذا ما وضحه بأقتدار وحرفية كبيرة الدكتور اشرف في عمليات التحول وما يعتريها من تغيرات فسيولوجية ونفسية واخضع بطلته يم لهذه التجربة حتي تحولت ولبست ملابس الرجال واظهر دور الصداقة في الغربة وكيف تلعب دورا حيويا في تخفيف الشوق للوطن وتمثل دعما عاطفيا واجتماعيا وكان مرور الاسهاب في التوضيح وتسلسل الاحداث بليونه تتناسب مع عرض المراة .. ولم اشعر ان من يحكي رجلا بل ريم كانت حاضرة بشحمها ولحمها وعواطفها
خلاصة تجحفنا أوطاننا دون أن تؤرقها دموعنا التي تسقي جفاف هذه الارض تقسو علينا وتستفيض في الاضرار بنا حتي تهلكنا ، تستبد بنا لتنتزع منا رمق الحياة وبقية الروح ، اي نعيم نحن فيه في بلاد الغرب امام هذا الشرق الذي صبغت فيه المرأة بالضعف والخنوع والعار مقابل قوة وقهر الرجل بقوته وسطوته .
تحية خاصة مني لمناقشة قضايا المرأة والزواج المبكر والختان وانتقاص قدرها في كافة الحقوق والتحرش والعنف والتنمر .
كنت امام ملف كامل لم انفك اتركه حتي اخر سطر فيه واوقات كثيره كنت انسي انني اقرء رواية كما قرات من قبل لنفس المبدع سرير الغواية . الهجرة ليست انتقال وهروب من بقعة علي الارض لاخري بل تحول كامل في السلوك والثقافة والجندر الي ان وصل التغير في الشكل والجنس والميول والرغبات والهوية في تجربة يم مع صديقتها الالمانية التي دعمتها في مراحل التغير وفي غرفة الاعدام في قلعة دراكولا برومانيا وبعد نقاش متمرد من ،،يم ،،لصديقتها التي اودت بها حتي اصبحت لا تعرف من هي واختلال توزنها لتسقط من شباك كبير لاسفل علي الخازوق ليخترقها وعند انزعاج صديقتها ونزولها مسرعة لنجدتها اختلت جريتها لتسقط في بئر عميق .
ثالث ثلاثة .. هو الرجل والأنثى والطفل والمشاعر والصراعات والأمل
فرج أحمد فرج
باحث انثروبولوجيا