كتب : ماهر بدر
يعتبر انعقاد ورشة العمل ومحكمة العدل الشعبية في دمشق خطوة رائدة في المجال القانوني والشعبي العربي لمواجهة الجرائم والانتهاكات المستمرة التي يرتكبها كيان الاحتلال الإسرائيلي بحق الشعب الفلسطيني والشعوب العربية. هذه المبادرة، التي نظمتها مؤسسة جامعة الأمة العربية بمشاركة قضاة وخبراء قانونيين من دول عربية مختلفة، تمثل إنجازاً مهماً يعزز من مكانة القانون كأداة فاعلة في مواجهة الظلم والعدوان. من خلال تقديم مرافعات واستعراض أدلة دامغة تثبت الجرائم الإسرائيلية، تُفتح آفاق جديدة لمساءلة قادة الاحتلال وداعميهم على الساحة الدولية.
إن محكمة العدل الشعبية ليست فقط مجرد حدث قانوني أو رمزي، بل هي رسالة قوية إلى العالم بأن الجرائم الإسرائيلية لم تعد طي النسيان أو بعيدة عن المحاسبة. هذه المحكمة تمثل صرخة في وجه الظلم، وتُشكل ضغطاً حقيقياً على كيان الاحتلال الذي سيجد نفسه في مواجهة تزايد الوعي القانوني والشعبي العربي. إذ أن هذه الجرائم – والتي تشمل القتل العمد، التعذيب، الاستهداف الممنهج للمدنيين، واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً – هي جرائم تمثل انتهاكاً صريحاً للاتفاقيات الدولية، وعلى رأسها اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الإنساني.
إن ما يميز هذه المبادرة هو أنها تفتح الطريق أمام بقية الدول العربية لتبني نموذج محكمة العدل الشعبية، مما يعزز من توحيد الموقف القانوني العربي ويجعل الجهود المشتركة لمحاسبة الكيان الإسرائيلي أكثر تأثيراً وقوة. إن إقامة مثل هذه المحاكم الشعبية في بلدان عربية أخرى كلبنان، ومصر، والعراق، والجزائر، وتونس سيشكل درعاً قانونياً موحداً ويعزز الضغوط على الكيان الإسرائيلي، ويدفع بالمجتمع الدولي إلى الالتفات جدياً إلى هذه الانتهاكات وإيجاد آلية لوقفها.
ليس سراً أن الكيان الإسرائيلي يستغل غياب المحاسبة الدولية ليستمر في سياساته العدوانية، لكن مع تصاعد هذه المحاكمات الشعبية، سيجد نفسه أمام مسار قانوني متصاعد يشكل خطراً حقيقياً على سمعته الدولية ويهدد استمرار دعم بعض الدول الكبرى له. حينما يتبنى الشارع العربي والمؤسسات غير الحكومية مساراً قانونياً واضحاً ومؤثراً، تصبح الجرائم الإسرائيلية محط أنظار العالم، ويزداد الضغط الدولي على الكيان لوقف انتهاكاته.
في ظل هذه التطورات، تصبح إقامة محاكم العدل الشعبية واجباً وطنياً عربياً وحقاً من حقوق الشعوب العربية في الدفاع عن حقوقها وحقوق أشقائها الفلسطينيين. إن هذا العمل القانوني هو بداية لطريق طويل من المقاومة القانونية التي تعتمد على الحق والعدالة، فكلما زاد عدد المحاكم الشعبية وتعددت في الدول العربية، باتت الصورة أكثر وضوحاً لدى العالم عن حجم الجرائم المرتكبة بحق الشعب الفلسطيني.
لا بد من التأكيد أن محاكم العدل الشعبية، وإن كانت غير رسمية، إلا أنها تحمل أهمية كبرى من حيث تأثيرها الرمزي والدبلوماسي؛ فهي تعكس موقفاً شعبياً عربياً موحداً يسعى للعدالة ويرفض السكوت عن الجرائم الصهيونية المستمرة منذ عقود. كما أنها توفر منصة لتوثيق هذه الجرائم وتقديمها للمؤسسات الدولية كالأمم المتحدة والمحكمة الجنائية الدولية، مما يزيد من صعوبة التجاهل الدولي لهذه الجرائم.
ختاماً، إن إقامة مثل هذه المحاكم الشعبية بشكل منتظم ودوري في جميع الدول العربية يشكل خطوة هامة في سياق النضال العربي، ويزيد من الضغط على كيان الاحتلال الإسرائيلي، ويدفع نحو وقف سياسات الإبادة والتهجير والتطهير العرقي. إنها ليست فقط محاكمات رمزية، بل هي صوت الضمير العربي، وهي خطوة أولى نحو العدالة وإنصاف الضحايا.