د. محمود محمد علي
إن فوز ترامب هذه المرة يسلط ضوء قوي جدا على الانقسام العميق في الداخل الأمريكي ، وهو انقسام واضح لم يكن في حاجة لكي يسلط عليه أي ضوء حتى يمكن مشاهدته ، وذلك لأن الولايات المتحدة أضحت الآن تمثل دولتين داخل دولة واحدة ، ووجهتين نظر متضاربتين تجاه العالم ، ووصفتين سياسيتين متضاربتين ، ومعسكرين لا يوجد فيهم أحد يثق في الآخر ، وهذا ما يدركه ترامب الآن جيدا ، وبدل من محاولة حله استغل ترامب لتحقيق مكاسبه السياسية .
إقرأ المزيد :
دونالد ترامب وهيمنة الحزب الجمهوري
أيضا حملة ترامب الانتخابية كانت وجها جديدا من أوجه تعزيز الانقسام داخل الولايات المتحدة ، والتقديم لسنوات تالية عديدة من الاضطراب والصراع السياسي ، وترامب نفسه قادم بنسخة أصعب من النسخة السابقة ، وهي نسخة لا يمكن التنبؤ بها ، ولكن المؤكد فيها أنها ستؤدي إلى انقسام أكثر حدة ، ويكفي فقط أن التجمع الانتخابي الذي نظمة في نيويورك وذلك حين اعتبر الديمقراطيين خليط عنصري وكراهية للمرآة .
وهنا رأينا ترامب يفوز بقوة النصف الآخرمن الشعب الأمريكي وهو النصف الفاقد للثقة في أي شيء يمت بصلة للمؤسسة والنخب والحكم اللبيرالي ، وهذا أهم شيء في فوز ترامب ، حيث إن كل اللذين صوتا لصالحه يدركون عيوبه وأوجه قصوره الأخلاقية ، وفي نفس الوقت قد تناسوا كل ذلك لأنهم يرون فيه ذلك الشخص الذي يمكن أن يحسن من حياتهم الاقتصادية والذي بإمكانه أن يصلح الخراب الذي تسببت فيه أربع سنوات تحت حكم جوبادين .
علاوة على أن فشل كمالا هاريس في أن تقنع الناخبين كان فشلا ذريعا لها وللحزب الديمقراطي الذي يواجه مسألة وجودية ، حيث إننا نشاهد اليوم نهاية الجزب الديمقراطي أيضا ، وهنا لابد للحزب الديمقراطي أن يقف مع نفسه وقفه واضحة للتعامل مع هذا الفشل .
وعلى الجانب الآخر كان ترامب يثبت أنه رجل المرحلة والسياسي المهيمن على هذا العصر ، وذلك أن كان ذات يوم مطور عقاري ناجح يسعي لتحقيق الشهرة في نيوريوك ، ثم تحول إلى نجم في تليفزيون الواقع حين صعد إلى الرئاسة في الولايات المتحدة مرتين وليس مرة واحدة ، ومثملا كان رونالد ريجان هو السياسي المهيمن في ثمانيانيات القرن الماضي وكان هو ذات الشخص الذي ساهم في صعود المحافظين الجدد وغير من مفهوم الحكومة ، ونفس الشيء نجح ترامب على مدار تسع سنوات على المسرح السياسي في فرض وجوده بعد أن تحولت الانتخابات الرئاسية الأمريكية في وجوده من منافسة بين مترشحين إلى خيار ترامب ولا ترامب بغض النظر عن المنافس .
صحيح أن نصف سكان الولايات المتحدة قد صوتوا لصالح هاريس وكانوا يحلمون أن يتخلصوا من ترامب وأفكاره ، وكانوا منتظرين في أن يكون الحزب الجمهوري والذي سيطر عليه ترامب وأخذ يشكل اتجاهه يبدأ في التطلع إلى مستقبل مختلف حيث لم يكن هناك احتمال في أن الحزب الجمهوري حزب أحد مثلما كان يمتلكه رجان وآل بوش ، وهنا لو كان ترامب قد خسر الانتخابات للمرة الثانية على التوالي كان الحزب الجمهوري ستكون لديه فرصة للالتقاط الأنفاس وإعادة بناءه مرة أخرى ، ولكن ما حدث فعلا هو أن ترامب قد فاز بجدارة والجزب أضحى بين أصابعه .
ولما كان من المعروف على ترامب ألا يحكم أكثر من أربع سنوات ، أي ليس بإمكانه الحصول على مدة ثانية ، وكلن خلال تلك السنوات الأربع الحالية لو ركز ترماب جيدا وظل على جرأته المعتادة سيتمكن من تنفيذ معظم اجندته ومعظم وعوده الانتخابية .
إن ترامب خلال السنوات الأربع المقبلة سيتصدر المشهد وهو الذي سيقرر مستقل الحزب الجمهوري وسياساته القادمة وبالتأكيد سيحاول أن تكون له يد في اختيار خليفته لقيادة الحزب في انتخابات 2028 .