انثربولوجيا الجوع والحرمان “الحلقة الاولي”


المجاعة عبر التاريخ


أنثروبولوجيا الغذاء هو فرع من فروع الأنثروبولوجيا الذي يربط الإثنوغرافية ومنظور تاريخي مع القضايا الاجتماعية المعاصرة في إنتاج الغذاء وأنظمة الاستهلاك.
الفقر حالة واجهت البشرية منذ القدم وتشح فيها المادة والقوت في السنوات العجاف وتصبح الناس غير قادرة علي تحمل الاعباء والنفقات اليومية وتكاليف الحياة ، وحينها يعجز الانسان عن الاستمتاع بالحياة او امتاع من يكفلهم ولا يرقي ليعيش حياة هانئة مطمئنة .


مصر درة تاج الشرق ومقصد كل طامع في هذه المنطقة ويقولون ان اردت عبور الشرق لابد ان تبدأ بمصر ، ولذلك كل الارهاصات والنتائج التي نعيش فيها الان ما هي.. الا .. تدع مصر تنطلق من النقطة التي يريدونها لمصر وتعبرها وتتجاوزها ، لان لو قدر لها الانطلاق ، لن يتحكم في مصيرها احد وستأخذ طريق الانطلاق للافاق .
يعتبرُ الفقر أحدَ المشكلات الاجتماعيّة التي عانى منها الإنسان القديم والحديث، ويعني شحّ المادّة ضمنَ المستويات المعيشيّة الجيّدة، وتصنّفُ كلُّ بلدٍ من البلدان الفقرَ وفقَ مقياسٍ معين.
مصر التي تحملت علي مدار تاريخها وعبرت مع سيدنا يوسف الصديق نبي الله عليه السلام السبع العجاف الي اعوام الاغاثة والتضرع لله بالامطار فينبت الزرع ويعم الخير علي الارض بالامطار وتكثر الغلال والثمار ومنها يعصيرون .
قال سيدنا عمر رضي الله عنه ” والله لو كان الفقر رجل لقتلته ” في اشارة لعظمه وتأثيره علي الانسان ، وامامها مقولة اخري ” ان السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة “في اشارة للسعي والاجتهاد والعمل والانتاج .
ما اقسي ان تجد من تعولهم يسالونك لماذا لا تشتري لنا كما كنت من قبل واعتدنا عليه وتكون اجابتك غير مقنعة لان ليس لديك المعلومة بشفافية وواضحة والمعلومات التي استقيتها معظمها سياسية وغير صحيحة .
وتطلب في النهاية منهم ان يغلقوا الثلاجة وان يعتادوا الحياة بدون الشيدر والفلامنك والرومي واللنشون والبسطرمة والبيض والنوتلا والعصائر وغيرها .. وتطالبهم ان يكتفوا بمرة اكل اللحمة او الدجاج او السمك .. فتجد من ينادي عليك .. لا توعد باشياء لن تستطيع تحقيقها لان الاسعار في تغير وارتفاع كل يوم عن الاخر حتي وصلت للطعمية والفول .


وما نعانيه الان ليس المرة الاولي في حياة المصرين ..مواجهة الشدة .. ففي كل مرة يصمد هذا الشعب وينتصرحبا في الحياة والوجود والاستمرار .


وفند المقريزي في كتابه اغاثة الامة بكشف الغمة تاريخ المجاعات في مصر وفيه حدد الاسباب التى أدت إلى حدوث هذه المجاعات ووصفها واحدة واحدة لتلافى الوقوع فيها مجدداً وقد حمل مسئولية هذه المجاعات للحكام الغافلين عن مصالح العباد وذكر منها قرابة ستة وعشرين مجاعة ويوضح المقريزى بأن المصائب والمحن تعاظمت على الناس فى مصر بحيث أنهم استحالوا زوالها..وغفلوا انها من سوء تدبير الزعماء والحكام .
يذكر المقريزى فى كتابه أن أول غلاء وقع بمصر كان فى عهد الملك السابع عشر من ملوك مصر قبل الطوفان واسمه «أفروس بن مناوش» الذى كان طوفان نوح عليه السلام فى زمنه، وكان الغلاء بسبب ارتفاع الامطار وقلة ماء النيل ونتج عنه عقم البهائم والموت.. وفى رواية اخرى..يقال أن إحدى أولى المجاعات المذكورة فى التاريخ حدثت فى مصر القديمة خلال زمن يوسف عليه السلام..واستمرت سبع سنوات إلا أنها لم تؤد إلى موت اعداد كبيرة من الناس لأن هذه المجاعة قد تم الانباء عنها قبل حدوثها بسبع سنوات وتحت اشراف يوسف عليه السلام فخزن المصريون كميات كبيرة جداً من القمح.. حتى صار الغذاء مؤمناً ليس فقط للمصريين بل لأهل الأرض بأسرها.. فى الدولة القديمة شهدت إحدى المجاعات التى تركت علامة واضحة فى الشعب المصرى وفى هذا تذكر المصادر التاريخية أنه حدث فى العام الثامن عشر من حكم الملك زوسر أن زاد الضيق بالبلاد لقلة مياه الفيضان لمدة سبع سنوات وقلة الحبوب آنذاك..استشعر شيوخ البلاد وأطفالها الجوع..حتى أن الفرعون نفسه لحق به الهم..فأرسل إلى حاكم البلاد العليا ورئيس معابد الجنوب وأمير النوبيين يطلب منه المساعدة واحتكم زوسر الى رئيس الكهنة وايمحوتب وأشاروا عليه بتقديم الأضاحى والقرابين إلى أرباب وربات أبو«أسوان الحالية». والبعض يقول أن الملك الذى حدثت فى عهده هذه المجاعة هو بطليموس الخامس..وعلى كل الأحوال فقد خلفت هذه المجاعة«لوحة المجاعة» أشادت بعهد زوسر من خلال نقوش تم تدوينها على صخرة كبيرة باقية فى جزيرة سهيل جنوب مدينة اسوان.. وتؤكد المصادر التاريخية أن المجاعات فى مصر استمرت منذ إنهيار الدولة القديمة حتى بدايات الأسرة 12 وفى القرن العشرين قبل الميلاد بدأ كل أمير يعزل مقاطعته من البقية الجائعة..وعلى المسلات ظهر تفاخر الأمراء بإبقائهم رجالهم ومحاصيلهم وقطعاتهم على قيد الحياة ثم إمتاز عصر المملكة الوسطى بالرخاء الاقتصادى الذى لم يسبق له مثل فى مصر..


وفي زمن الفاطميين عندما توقف النيل عن الزيادة فى ذلك العصر..عمت المجاعات وانتشرت السرقات وإرتفعت الأسعار.. واختفى القمح وإضطرب حبل الأمن وخطفت النساء من الطرق ولجأ الناس إلى أكل الكلاب والقطط.. ووصل سعر الكلب إلى خمسة دنانير بينما سعر القط ثلاثة!! وقتها لجأ الحاكم بأمر الله إلى كل السبل لزيادة مياه النيل وحل الازمة حتى أنه امتطى حصانه واخذ يدور فى الأسواق ويضبط الغشاشين بنفسه.. ومع إستمرار الغلاء إنتشر الوباء..فأصدر الحاكم تعليماته إلى رجاله وقام بتأديب كل من إستغل معاناة الناس فهدأت الأسعار ولكنها عاودت الإرتفاع ومع وفاة الحاكم بأمر الله جاء الظاهر لإعزاز دين الله وعادت المجاعة من جديد بعد أن ضعفت سلطته.. ولم يكن الخليفة يشعر بآلام الناس وصرخات الجوع التى ملأت الكون وأدت إلى وفاة الآلاف. واستمر الإحتكار والتلاعب بالأسعار وفى عام 414 هـ إزدادت حدة المجاعة وكثر ضجيج الناس واستغاثتهم إلى الله وخرجوا ومعهم المصاحف المنشورة إلى جبل المقطم يستغيثون بالله..
وزادت الأوضاع سوءاً غير أن أخطر ما تعرضت له مصر فى ذلك الزمن هو ما يسمى بالشدة المستنصرية.. وهى إحدى المجاعات التى حدثت أيام المستنصر الخليفة الفاطمى الخامس فى مصر واستمرت سبع سنين .. وكانت قبل هذه الشدة قد حدث الغلاء سنة 444 هـ كاد أن يصل لمجاعة لولا الوزير الناصر لدين الله اليازورى وضبطه للأسعار وإرضائه للجميع.. وفى مقام أخر.يصف الرحالة المؤرخ الطبيب الشهير البغدادى فى كتابة «الإفادة والإعتبار فى الأمور المشاهدة والحوادث المعاينة بأرض مصر» وصف رحلته الى وادى النيل فى نهاية القرن السادس الهجرى والثانى عشر الميلادى ما شاهده من مظاهر مجاعة اخرى ألمت بمصر فيما بين عامى595 ـ 598 هـ فذكر أن الفقراء لشدة المجاعة كانوا ياكلون اي شيء وتذكر المصادر التاريخية أنه فى عهد السلطان برقوق سنة 806هـ حلت بمصر مجاعة اخرى شديدة وتصادف وقوع إحدى بناته فى المرض واشتري لها كتكوتين دفع ثمنهما 74 قطعة من الفضة .
واستكمالاً لسلسلة المجاعات فقد حدث فى العهد المملوكى ما بين عامى 1780 ـ 1784 أن مرت البلاد بمجاعة جعلت الفلاحين يتركون اراضيهم هرباً من دفع المال للبكوات..وإنخفض سعر«العملة» 54% وقتل الطاعون سدس سكان مصر..وبلغت البلاد من الفقر لدرجة ارسلت الأستانة قوات بقيادة غازى باشا عام 1786 لتحصيل صرة المال للباب العالى..وقام بإعدام الفلاحين وجلدهم وأهان علماء الأزهر.
ربما كانت أخر المصطلحات التى ارتبطت بالجوع بشكل رسمى في مصر ..ولا أحد ينسى احداث 17 ـ 18 يناير عام 1977والتى وصمها الحكام وقتها بأنها انتفاضة الحرامية والتى قام بها الشعب المصرى من الشمال إلى الجنوب ومن الشرق إلى الغرب دون تنظيم.. بل خرجت بدافع الجوع الذى حل بهم..وبمجرد وأن قرر الحاكم زيادة هذا الجوع كانت كلمتهم واحدة..


المجاعة القادمة مجاعة المياه فقد حذر تقرير لمركز بحوث المياه من أن مصر مقبلة على مجاعة مائية بحلول عام 2025 حتى المستقبل تأخذنا مجاعاته بالأحضان فقد أكد التقرير أن 60% من الأراضى الزراعية لن تتوافر لها مياه الرى بسبب محدودية الموارد المائية وعدم وجود خطة واضحة لتوفير مصادر بديلة فى ظل تزايد الاحتياجات من المياه وأكد التقرير أن نصيب الفرد من المياه فى مصر الآن 900 متر مكعب فى العام وأضاف أن سياسة الدولة لإستصلاح من 3 الي 4 ملايين فدان بحلول 2017 لن يتحقق منها الا القليل لا لشئ فى ظل الإعتماد على مصادر المياه من نهر النيل وعدم وجود خطة سليمة للاستغلال وأن التلوث الكبير الذى يتعرض له نهر النيل سيكون أحد المسببات لنقص المياه خاصة فى ظل عدم وجود الإجراءات الرادعة التى تمنع التعامل مع النهر بهذا الشكل الذى يهدد ما يزيد على 30% من المياه بسبب كارثة التلوث.. وكان الله فى عوننا
والمجاعة ليست حكرا علي الحكام وسياستهم بل تدخل الاوبئة والعوامل الطبيعية والعوامل الخارجة عن الارادة والاعتماد علي مصادر الطعام من الخارج وتغيرات منسوب مياه النيل .


والسؤال هل نحن معرضون لحرب ممنهجة للتجويع من قبل جهات خارجية وداخلية كأسوب من اساليب الحرب بمفهومها الجديد دون تدخلات عسكرية طالما هذه السياسات تحقق الغرض المرسوم لها ” وهو التبعية والاخضاع ” ومبدأ الجزرة والعصا .. دون ان يظهر ان هدفه تجويع المدنين سواء بالحرب المباشرة والحصار او ضرب البنية الاساسية ومصادر الطاقة او منع وصول الامدادات التموينية اوالحصار وعرقلة تمويل المشروعات التنموية في بلد معين لانهم يعرفون تمام ان هذا الفعل مجرما دوليا وضد حقوق الانسان .
ولكنهم يفتعلون خلق الازمات الدولية التي تقطع سلاسل الغذاء ومنع السفن المتوجهة بالغذاء لتلك البلدان .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.