بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم كان وفيّا مع من نصره لإبلاغ رسالة ربه، فقد منع المُطعم بن عديّ المشركين أن يُؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل الهجرة، فحفظ له النبي صلى الله عليه وسلم إحسانه، وقال في أسارى بدر “لو كان المُطعم بن عدي حيّا ثم كلمني في هؤلاء النتنى لتركتهم له” رواه البخاري، وعن أَبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قَال “آية المنافق ثلاث، إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان” متفق عليه، وزاد في رواية لمسلم “وإن صام وصلى، وزعم أنه مسلم” وقيل أنه لما أراد امرؤ القيس الكندي المضي إلى قيصر ملك الروم، أودع عند السموءل بن عاديا دروعا كثيرة.
ولما مات امرؤ القيس، أرسل ملك كندة الحارث بن أبي شمر الغساني إلى السموءل بن عاديا، وطالبه بأدراع امرئ القيس المودعة عنده، فقال السموءل لا أدفعها إلا لمستحقها، وأبى أن يدفع إليه منها شيئا، فعاوده، فأبى، وقال لا أغدر بذمتي، ولا أخون أمانتي، ولا أترك الوفاء الواجب عليّ، فقصده ملك كندة بعسكره، فدخل السموءل في حصنه، وامتنع به، فحاصره ذلك الملك،وكان ولد السموءل خارج الحصن، فظفر به الملك، فأخذه أسيرا، ثم طاف حول الحصن، وصاح بالسموءل، فأشرف عليه من أعلى الحصن، فلما رآه قال له إن ولدك قد أسرته، وها هو معي، فإن سلمت إليّ الدروع والسلاح التي لامرئ القيس عندك، رحلت عنك.
وسلمت إليك ولدك، وإن امتنعت من ذلك ذبحت ولدك وأنت تنظر، فاختر أيهما شئت، فقال له السموءل ما كنت لأخفر ذمامي، وأبطل وفائي، فاصنع ما شئت، فذبح ولده وهو ينظر، ثم لما عجز عن الحصن، رجع خائبا، وصبر السموءل على ذبح ولده محافظة على وفائه، فقال السموءل في ذلك، وفيت بأدرع الكندي إني إذا ما ذم أقوام وفيت، وأوصي عاديا يوما بألا ، تهدم يا سموءل ما بنيت، بنى لي عاديا حصنا حصينا، وماء كلما شئت استقيت، فلما جاء الموسم وحضر ورثة امرئ القيس، سلم إليهم الدروع والسلاح، ورأى حفظ ذمامه ورعاية وفائه أحب إليه من حياة ولده وبقائه، فسارت الأمثال في الوفاء تضرب بالسموءل.
وإذا مدحوا أهل الوفاء في الأنام، ذكروا السموءل في الأول، وروى البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أنه ذكر رجلا من بني إسرائيل، سأل بعض بني إسرائيل أن يسلفه ألف دينار، فقال ائتني بالشهداء أشهدهم، فقال كفى بالله شهيدا، قال فأتني بالكفيل، قال كفى بالله كفيلا، قال صدقت، فدفعها إليه إلى أجل مسمى، فخرج في البحر فقضى حاجته، ثم التمس أي طلب مركبا يركبها يقدم عليه للأجل وقت الوفاء لسداد الدين الذي أجله، فلم يجد مركَبا، فأخذ خشبة فنقَرها أي حفرها، فأدخل فيها ألف دينار وصحيفة منه إلى صاحبه، ثم زجج موضعها أي سوى موضع النقر، ثم أتى بها إلى البحر.
فقال اللهم إنك تعلم أني كنت تسلفت فلانا ألف دينار، فسألني كفيلا، فقلت كفى بالله كفيلا، فرضي بك، وسألني شهيدا، فقلت كفى بالله شهيدا، فرضي بك، وإني جهدت أي بذلت وسعي أن أجد مركبا أبعث إليه الذي له، فلم أقدر، وإني أستودعكها، فرمى بها في البحر حتى ولجت دخلت فيه، ثم انصرف، وهو في ذلك يلتمس مركبا يخرج إلى بلده، فخرج الرجل الذي كان أسلفه، ينظر لعل مركبا قد جاء بماله، فإذا بالخشبة التي فيها المال، فأخذها لأهله حطبا، فلما نشرها وجد المال والصحيفة، ثم قدم الذي كان أسلفه، فأتى بالألف دينار، فقال والله ما زلت جاهدا في طلب مركب لآتيك بمالك، فما وجدت مركبا قبل الذي أتيت فيه، قال هل كنت بعثت إلي بشيء؟ قال أخبرك أني لم أجد مركبا قبل الذي جئت فيه، قال فإن الله قد أدى عنك الذي بعثت في الخشبة، فانصرف بالألف الدينار راشدا” رواه البخاري.