الوعي المجتمعي

د. فرج أحمد فرج

بعد مقالات عديدة في بناء الانسان والتنمية المستدامة .. من دواعي الحرص لإكمال هذا الجهد ان أتناول موضوع الوعي .
منذ ان خلقنا الله سبحانه وتعالي ادركنا الوجود وتوفير سبل الحياة ، فكان لازما علي الإنسان تعلم اللغة والتعبير عن مشاعره ورغباته ومتطلباته الحياتية وان يعي الأشياء حوله في هذا السياق ،يرى فريديريش نيتشه أنه بالإمكان أن يعيش الإنسان حياته في استقلال عن الوعي تماما. لما كانت الحياة البشرية معرضة للهلاك بوصفها حياة يؤطرها الصراع من أجل البقاء أضطر الإنسان أن يعبر عن نفسه في كلمات، ومن ثمة يكون نمو اللغة ونمو الوعي متلازمين. هكذا اختلق الإنسان لنفسه أوهاما أصبحت تؤطر حياته وأضفى عليها صبغة حقائق تقنن واقعه (كالواجب والمسؤولية، والحرية …إلخ). فالحقائق في العمق ليست إلا أوهاما منسية.

أما فرويد فينظر إلى حياتنا نظرة مخالفة تماما. فالحياة الإنسانية عنده أشبه بجبل الجليد iceberg (ما يظهر منه أقل بكثير مما هو خفي)؛ ومن ثمة نكون مخطئين جدا إذا نسبنا كل سلوكايتنا إلى الوعي، لأن “كل هذه الأفعال الواعية، سوف تبقى غير متماسكة وغير قابلة للفهم إذا اضطررنا إلى الزعم بأنه لا بد أن ندرك بواسطة الوعي كل ما يجري فينا …”(فرويد)، فكثير من السلوكيات لا تفهم إلا إذا أرجعناها إلى الجانب الأساسي من حياتنا النفسية وهو اللاشعور. وكتمثل توفيقي نستطيع القول بأن الحياة الإنسانية حياة مركبة، حيث يلعب فيها كل من الوعي واللاشعور دورا مركزيا. فإذا كان اللاشعور ضروريا لتفسير كثير من السلوكيات خصوصا منها المنحرفة والمرضية والشاذة، فإنه لا يجب أن ننسى بأن الحياة الإنسانية حرية وإرادة ومسؤولية،.

حيث يختار الانسان كثيرا من سلوكياته بكامل الوعي بطبيعتة الانسانية دون ادخال اية مؤثرات خارجية تفقده هذا الوعي .
مفهوم “الوعي” (Cognition) فلهذا المصطلح دلالات عديدة، ولكن أهم معانيه تتجلى من خلال علمين أساسيين في الإنسانيات الحديثة: علم النفس وعلم الاجتماع. في علم النفس:
يشير مصطلح الوعي أولاً إلى حالة “اليقظة” العادية، ويشير ثانيًا إلى قدرة الإنسان المتميزة الخاصة على الشعور بذاته، وتمايز ذاته عن الآخرين وعن الأشياء والكائنات الأخرى.
أما علم الاجتماع: فقد شرع في التركيز على أن الوعي نتاج لتطور فسيولوجي لمخ الإنسان، ولقدرة الإنسان على العمل وابتكار اللغة، وأن الوعي بهذا الشكل يصبح النتاج المباشر لتفاعل المعرفة المكتسبة فرديًّا أو اجتماعيًّا مع الدماغ (المخ)؛ وبالتالي، يصبح اللاوعي جزءًا من الوعي، ويتبادلان في الوقت نفسه التأثير والتأثر باختصار. .وتصرف
اذن..الوعي- من ناحية عامة- معرفة يكتسبها الفرد من مجتمعه، ومن تفاعله معه؛ وتترسخ هذه المعرفة بحيث تصبح مركزة في اللاوعي، أي في العقل والشعور الباطن
لدي الانسان ثم هي معرفة قابلة للنمو والتطور.
فان كنت تعيش في مجتمع ولا تعي الاشياء التي تسير حولك او تدرك الاشياء بمفهومها الحقيقي .. اذا هناك خلل !

تأثير الوعي الإجتماعي على الفرد

نحن مخلوقات اجتماعية من المنظور التطوري ،ولذلك نحن نعيش في مجموعات اكثر من ان نعيش افرادا منعزلة وهذه حالات نادرة ترقي للتعاون والتجانس ومع ذلك ، لكي يزدهر هذا التعاون ، يجب أن نعيش في إطار من القيم والمعايير السلوكية التي توجه سلوكنا.
تتطور القواعد والمعايير والأعراف الاجتماعية وتتغير بمرور الوقت ومن ثقافة إلى أخرى ومع الثقافة (مثل الثقافات الفرعية) الأشخاص الذين لا يتبعون القواعد يعاقبون ويستبعدون اجتماعيا.
ونشاهد ذلك في مجتمعات كثيرة منذ القدم وحتي الان وهو ما نسميه ” في المصطلح النفي ” لانه اجرم وخرج عن نطاق عادات وتقاليد وثقافة الجماعة واصبح من الخطورة علي نفسه والاخريين.

وتختلف طرق نشر الوعي في المجتمع بحسب ثقافته، وأكثر الأشكال العلنية هي الحركات والدعوات الجماهيرية للدعوة لفكرة ما على سبيل المثال. وبشكل اخر مثل الاشخاص الذين ينادون بالحقوق والنهضات أيضًا. ولكن قد يتعرض الفرد خلال ذلك الضغط المعياري القوي الذي له اثار مختلفة.
نشر الوعي و تنمية الوعي المجتمعي والولاء الوطني هو عملية تهدف إلى إعلام و تثقيف الناس حول قضية أو مشكلة بقصد التأثير على مواقفهم و سلوكياتهم و معتقداتهم لتحقيق غرض أو هدف معين، اذ يمكنك حشد سلطة الرأي العام لدعم قضية ما و بالتالي التأثير على الإرادة السياسية لصانعي القرار، كما ان هناك العديد من الاستراتيجيات و الطرق، اذ ان أدوات التوعية التي يمكن استخدامها لنقل و نشر الرسائل و حشد الدعم اللازم للتأثير على الرأي العام متعددة جدا.

قد تشمل جهود التوعية بعض الانشطة مثل إصدار النشرات الصحفية و الإحاطات و التعليقات بالاضافة الى نشر التقارير و الدراسات و المنشورات ، كما يمكن تقديم تقارير مكتوبة أو شفوية للجان و المشاورات البرلمانية و العمل مع وسائل الإعلام، كما ان عقد الاجتماعات و المناسبات العامة و عقد المؤتمرات و ورش العمل من طرق نشر الوعي بالاضفة الى إنشاء المواد التعليمية و المساهمة فيها، كما يمكن نشر المعلومات من خلال مجموعة متنوعة من وسائل الإعلام أو الأدوات المختلفة ، مثل الراديو و التلفزيون و الفيديو و الأفلام و الإنترنت و وسائل التواصل الاجتماعي و الهواتف المحمولة و الصحف و النشرات الإخبارية و المطبوعات و حملات الملصقات و الفنون، و يمكن أيضا استخدام مجموعة متنوعة من الوسائل المرئية مثل الملصقات و الشعارات و القمصان و الأساور و الملصقات.
هناك عدد من الإجراءات التي يمكن لمنظمات المجتمع المدني اتخاذها لزيادة الوعي بأهداف التنمية المستدامة من أجل تحسين المساءلة من خلال عدة طرق
تطوير استراتيجية نوعية لرفع الوعي المجتمعي وبحث المشكلة المراد علاجها ووضع الحلول طويلة المدي والاهداف والنتائج التي نريد تحقيقه بجانب الاهداف قصيرة المدي والضرورية في الوقت الحالي مع النظر للمجموعات المستهدفة ذات الصلة او الافراد الذين نريد استهدافهم .من خلال رسائل مباشرة ومتماسكة نريد نقلها لرفع وزيادة الوعي مع استخدام انشطة وتكتيكات من خلال اساليب وادوات اكثر فاعلية لايصال تلك الرسائل للجهات المستهدفة مع وضع خطة لمراقبة وتقييم تلك الخطة ما اذا قد تم احراز تقدم نحو تحقيق الاهداف والغايات والتقيم ان لزم الامر التعديل لضمان النجاح .

تأثير الوعي الاجتماعي على المجتمع

داخل كل مجتمع توجد ثقافة محددة ، ومن هذه الثقافة نبني هويتنا بشكل عكس الآخرين. يميل الناس إلى تقييم ما إذا كانوا أذكى أم أفضل أم أسوأ من الآخرين . كما تشير الابحاث في هذا المجال إلى التسلق وإيجاد موقفنا من خلال التسلسل الهرمي للسيطرة على المجتمع . الثقة عامل مهم في تحسين كفاءة إنجاز الأمور داخل اي مجتمع . إنه يقلل مما يسميه الاقتصاديون تكاليف المعاملات . يمكننا أن نثق في أن الناس سيفعلون إلى حد ما يقولون إنهم سيفعلونه ، مما يمنع الحاجة إلى ترتيبات تعاقد طويلة ومكلفة مع كل شخص نتفاعل معه مما يؤثر على الدائرة الاوسع وهي المجتمع . باستخدام هذه المبادئ كإطار عمل يمكننا استنتاج طرق للحث على تغيير السلوك .
الوعي الاجتماعي إذا كانت مجموعة فرعية من مجال الذكاء العاطفي ، والتي تشمل: الوعي الذاتي والتنظيم الذاتي والوعي الاجتماعي هو يتطلب الوعي الاجتماعي من خلال الاهتمام بالآخرين ومشاعرهم سواء المعلنة او غير معلنة ، وإدراك السياق والبيئة وإدارة العلاقات
ولا يخفى على المراقب أن أمتنا قد تعرضت، خاصة في العقود الأخيرة، لإصابات أدت إلى تجريف الوعي عند أعداد وشرائح لا يستهان بها؛ بحيث أصبحت رؤيتها مشوَّشة، وطريقة إدراكها لذاتها، وقيمها، والعالم من حولها؛ طريقة غير سوية. الأمر الذي يستدعي مضاعفة الجهد ممن يشتغلون بالوعي، ويهتمون بتصحيح مساره. إن قضية الوعي ينبغي أن نوليها أهمية تتناسب مع قدرها.
إذ هي قضيةُ حياةٍ أو موت، وجودٍ أو فناء، فاعليةٍ أو خمول !

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.