النفس الأمارة بالسوء


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن ﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻫﻮ السبب ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤَّﺮ ﺍﻟﻨﺎﺭ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭإن ﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺍﻟﺰﻫﺪ ﻓﻲ ﺍﻟﺮﻳﺎﺳﺔ ﻫﻮ السبب ﺍﻟﺬﻱ ﻋﻤَّﺮ ﺍﻟﺠﻨﺔ ﺑﺄﻫﻠﻬﺎ، ﻭإن ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺤﺐ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﺃﻋﻈﻢ ﻣﻦ ﺍﻟﺴﻜﺮ ﺑﺸﺮﺏ ﺍﻟﺨﻤﺮ ﺑﻜﺜﻴﺮ، وإن ﻣﻦ ﺍﻟﻨﺎﺱ ﺟُﻬﺎل ﻋﻤﻮﺍ ﺍﻟﺒﺼﺎﺋﺮ عن الدنيا الفانية، ﻟﻢ ﻳﻨﻈﺮﻭﺍ ﻓﻲ ﺃﻣﺮﻫﺎ ﻭﻟﻢ ﻳﻜﺸﻔﻮﺍ ﺳﻮﺀ ﺣﺎﻟﻬﺎ ﻭﻣﺂﻟﻬﺎ، ﺩﺭﺟﺖ ﻟﻬﻢ ﺑﺰﻳﻨﺘﻬﺎ ﻓﻔﺘﻨﺘﻬﻢ ﻓﺈﻟﻴﻬﺎ ﺃﺧﻠﺪﻭﺍ ﻭﺑﻬﺎ ﺭﺿﻮﺍ ﻭﻟﻬﺎ ﺍﻃﻤﺄﻧﻮﺍ ﺣﺘﻰ ﺃﻟﻬﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺍلله عز وجل ﻭﺷﻐﻠﺘﻬﻢ ﻋﻦ ﺫﻛﺮ الله ﻭﻃﺎﻋﺘﻪ، ﺇﻧﻬﻢ ﻧﺴﻮﺍ ﺍلله ﻭﺃﻫﻤﻠﻮﺍ ﺣﻘﻮﻗﻪ، ﻭﻣﺎ قدرﻭﻩ ﺣﻖ ﻗﺪﺭﻩ، ﻭﻟﻢ ﻳﺮﺍﻋﻮﺍ ﻻﻧﻬﻤﺎﻛﻬﻢ ﻓﻲ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻭﺗﻬﺎﻟﻜﻬﻢ ﻋﻠﻴﻬﺎ ﻣﻮﺍﺟﺐ ﺃﻭﺍﻣﺮﻩ ﻭﻧﻮﺍﻫﻴﻪ ﺣﻖ ﺭﻋﺎﻳﺘﻬﺎ ﻓﺄﻧﺴﺎﻫﻢ ﺃﻧﻔﺴﻬﻢ، ﺃﻧﺴﺎﻫﻢ ﻣﺼﺎﻟﺤﻬﻢ ﻭﺃﻏﻔﻠﻬﻢ ﻋﻦ ﻣﻨﺎﻓﻌﻬﺎ ﻭﻓﻮﺍﺋﺪﻫﺎ ﻓﺼﺎﺭ ﺃﻣﺮﻫﻢ ﻓﺮﻃﺎ، ﻓﺮﺟﻌﻮﺍ ﺑﺨﺴﺎﺭﺓ ﺍﻟﺪﺍﺭﻳﻦ، فقد ﺃﻗﺎﻣﻮﺍ ﺍﻟﺪﻧﻴﺎ ﻓﻬﺪﻣﺘﻬﻢ، ﻭﺍﻋﺘﺰﻭﺍ ﺑﻬﺎ ﻣﻦ ﺩﻭﻥ ﺍلله ﻓﺄﺫﻟﺘﻬﻢ، ﺃﻛﺜﺮﻭﺍ ﻓﻴﻬﺎ ﻣﻦ ﺍﻵﻣﺎﻝ ﻭﺃﺣﺒﻄﻮﺍ ﻃﻮﻝ ﺍﻵﺟﺎﻝ، ﻭﻧﺴﻮﺍ ﺍﻟﻤﻮﺕ ﻭﻣﺎ ﺑﻌﺪﻩ ﻣﻦ ﺍﻟﺸﺪﺍﺋﺪ ﻭﺍﻷﻫﻮﺍﻝ.

ولقد خلقنا الله عز وجل وأوجدنا في هذه الدنيا لعبادته وتفل سبحانه وتعالي بأرزاقنا وتكفل بنا ولكن يجب علينا جميعا أن نعلم بأن المرء في هذه الحياة في صراع وجهاد مع أعداء ثلاثة، وهم الهوى والنفس والشيطان، ولا بد له من الاستعداد لمجاهدة كل عدو بما يناسبه من سلاح وإن من الأعداء التي تعترض العبد في طريقه إلى الله تعالي في هذه الدنيا هي النفس التي بين جنبيه وداخل كيانه، فكثيرا ما تكون عدوا لدودا، لأنها تأمر بالسوء، وتسمى على ذلك بالنفس الأمارة بالسوء، فهي تميل للشهوات، وتكره القيود، وتحب الانفلات والتحرر من كل ما تمنع منه، وتضيق ذرعا إذا ألزمت بأمر من الأمور، وقد حذرنا النبي الكريم صلى الله عليه وسلم من الخاتمة فعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم” فوالذي لا إله غيره، إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب.

فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها، وإن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها ” رواه مسلم، فمع طغيان المادية، والذي أدى إلى إصابة الأمة أفرادا ومجتمعات بمرض ضعف الإيمان، كان لابد لنا من علاج لهذه الداء العضال، والمرض الخطير الذي أنهكنا حتى تمكن منا عدونا فأصابنا في مقتل، ولأن الإيمان هو الكنز المفقود في حياتنا فكان لابد من وقفة مع النفس نصحح فيها أوضاعنا، ونجدد فيها إيماننا كما روى عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الإيمان ليخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم ” رواه الطبراني، وإن النفس الإنسانية درجات، وأعلى درجاتها ومراتبها النفس المطمئنة، تلك النفس التي ترتقي بأعمالها، وتسمو بفضائلها ، لتخرج من طور النفس الأمّارة بالسوء.

حتى تصل إلى طور الاطمئنان، وتنتظم في سلك الطمأنينة والإيمان والنفس المطمئنة يقول عنها ابن كثبر رحمه الله، هي النفس الزكية الساكنة الثابتة الدائرة مع الحق، وأنار الله قلب صاحبها حتى انخلعت عن صفاتها الذميمة، وتخلقت بالأخلاق الحميدة، ولزمت الطاعة واطمأنت بها، واعتبرت كل ما يمر بها من الحوادث الحياتية خيرها وشرها، ابتلاء ومحنة، فسكنت واستقرّت في مقام الاطمئنان والسكينة والأمن، وإن اللوم والتأنيب الصادق يمكن أن يكون حاميا للإنسان من التفريط والتقصير، بل يمكن أن يكون مناعة دائمة للنفس حتى تصبح نفسا مطمئنة، وهذا لا يكون إلا إذا تعوّد الإنسان على محاسبة نفسه، قبل أي فعل وبعده وإن المؤمن ما تراه إلا يلوم نفسه، ولكن أقول ماذا أردت بكلامي؟ وماذا أردت بعملي؟ وإن الكافر يمضي ولا يحاسب نفسه ولا يعاتبها، ولكن المحاسبة قبل العمل وبعده ، فأما قبل العمل فبأن يقف عند أول همه وإرادته.

ولا يبادر بالعمل حتى يتبين له رجحانه على تركه، وقال الحسن رحمه الله ” رحم الله عبدا وقف عند همه، فإن كان لله مضى، وإن كان لغيره تأخر، هذا قبل العمل، وأما بعد العمل فبمحاسبتها على طاعة قصرت فيها، فلم توقعها على الوجه الذي ينبغي، فإن كان مما يستدرك استدركه، وإلا عاد على نفسه باللوم، والندم، والتوبة، والاستغفار، وجدد العزم، وسأل الله العفو، والصفح، والغفران، ووصول النفس البشرية إلى الاطمئنان هي غاية كل مؤمن، ومسعى كل مخلص، ومتى رأى الله تعالي من العبد جهدا في علاج نفسه ومجاهدته، أعانه، وهداه السبل، ويسر له طرق الوصول إلى مراقي السعود، ومراتب القرب والأنس به.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.