النص أقوى من العرف


بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ذكر الإمام ابن الجوزي رحمه الله في كلام ذكرته في الأعمال القلبية وهو يدور حول هذا المعنى أن الإنسان لا داعي لأن يتعب ويتصنع، ويظهر أشياء أو يحنق على الآخرين، لماذا لا يحبونه؟ ولماذا لا يقدرون جهوده العظيمة؟ ولماذا لا يعرفون له حقه وقدره ومنزلته وقد بذل وفعل وفعل؟ فتش عن قلبك، فمثل هذا يقول ابن الجوزي فيه تجد الإنسان الناس لا يعرفون له أحيانا أعمالا ظاهرة صالحة مثل غيره ولكنهم يجدون محبة له، ويُظهر الله أعماله، وإن حاول إخفاءها، يعرف الناس أن هذا إنسان غير عادي، ما هو مثل الناس، ومهما حاول الإنسان أن يخفي أعماله السيئة فإن الله يظهرها أو يظهر رائحتها، فتكرهه القلوب، تجد بمجرد ما يرونه أو حتى سماع اسمه فقط قبل ما يرونه تنقبض القلوب منه، تقول لهم لماذا؟

يقولون ما ندري، لا أطيق أنظر إليه، أجد في نفسي نفرة من هذا الإنسان، وهذا الإنسان يتكلم كلاما طيبا، وهذا الإنسان كلامه فيه ذكر لله، يقول لك أنا أجد قلبي ينقبض من مجرد سماع صوته، أو رؤيته، هل تعرف عليه أعمالا سيئة؟ يقول لا أعرف شيئا، لكن هذا الإنسان أنا لا أجد قلبي إطلاقا ينشرح له، وما هو فقط هذا، ولا الثاني ولا الثالث ولا الرابع، والنبي صلي الله عليه وسلم يقول ” أنتم شهداء الله في الأرض” فمن الناس من لا تستطيع النظر إلى وجهه، ومن الناس من إذا نظرت إلى وجهه ارتفع الإيمان، وأقبلت على الأعمال الصالحة، وإذا سمعت كلامه كان ذلك نورا على نور، وإن العادة تجعل حَكما لإثبات الحكم الشرعي إذا لم يرد نص في ذلك الحكم المراد إثباته، فإذا ورد النص عمل بموجبه ولا يجوز ترك النص والعمل بالعادة.

لأنه ليس للعباد حق تغيير النصوص، والنص أقوى من العرف لأن العرف قد يكون مستندا على باطل، أما نص الشارع، فلا يكون مبنيا على باطل، فلذلك لا يترك العمل بالقوي لأجل العمل بالضعيف، على أن الإمام أبا يوسف يقول إذا تعارض النص والعرف ينظر فيما إذا كان النص مبنيا على العرف والعادة أم لا؟ فإذا كان النص مبنيا على العرف والعادة ترجح العادة ويترك النص واذا كان النص غير مستند إلى عرف وعادة يعمل بالنص ولا عبرة بالعادة، ومع ذلك يجب أن لا يفهم أن حضرة الإمام أبي يوسف يذهب في رأيه إلى ترك النص والعمل بالعرف والعادة، وإنما رأيه بمثابة تأويل للنص، وعلى هذا فمن المتصور أن يكون الفعل الواجب من العبادات، كما يتصور أن يكون من العادات، كما في إيجاب المعاشرة بالمعروف.

فالواجب هنا لا يدخل في باب العبادات وإنما في باب المعاملات والعادات إذ العبادة تتوقف على النية، بينما المعاشرة بالمعروف لا يتوقف حصولها على النية، فليس كل واجب عبادة، وليس كل طاعة عبادة تفتقر إلى استحضار النية، والفقهاء قسموا كتب الفقه وأبوابه إلى عبادات ومعاملات، وغير ذلك رغم أن كل هذه الأقسام لا تخلو من واجبات ومحرمات، فهذا يشير إلى أن هناك مفهوما خاصا للعبادة والتعبد بأعمال وشعائر مخصوصة، وهذا لا يمنع من وصف التاجر الأمين مثلا بأنه يطيع لله بأعمال التجارة، ولكنها طاعة بالمعنى الأعم، بخلاف المعتكف والمصلي والصائم فإنها عبادات وطاعات بالمعنى الأخص، والمراد بالعبادات هو ما كان المقصود منها في الأصل تقرب العبد إلى الملك المعبود، ونيل الثواب والجود، كالأركان الأربعة ونحوها.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.