بقلم / هاجر الرفاعي
بسم الله المتعزز بعظمة الربوبية والمتفرد بعظمة الألوهية خالق الخلق من عدم وأحصي كل شيء فعدهم عدا والكل آتية يوم القيامة فردا، ونصلي ونسلم ونبارك علي حبيب الحق وخير الخلق محمد صلي الله عليه وسلم، فإن الملائكة هم عباد الله المكرمون، والسفرة وهم كرام بررة، طاهرون ذاتا وصفة وأفعالا، مطيعون لله عز وجل، لا يعصون الله تعالى ما أمرهم، ويفعلون ما يؤمرون، فعن السيدة عائشة رضي الله عنها قالت، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” خلقت الملائكة من نور، وخلق الجان من مارج من نار، وخلق آدم مما وصف لكم ” وهذا النور الذي خلقت منه الملائكة لا نخوض من أي نور هو؟
ويكفي أن نقول إنها خلقت من نور، كما ورد في الحديث، وأن هذا النور مخلوق، ليس هو نور ذات الله سبحانه وتعالى، ويجب علينا جميعا الإيمان بملائكة الله الذين عظم الله خلقهم وقدرهم، وهم محيطون بنا في كل مكان يستمعون الذكر، ويحصون على كل عبد الخير والشر، فلا يؤمن عبد حتى يستقر في قلبه الإيمان بوجودهم، لا كمن يقولون إنهم قوى الخير الكامنة في الإنسان، وأن الشياطين قوى الشر الكامنة في النفس البشرية، منكرين بذلك وجودهم وحقيقتهم، وإن الملائكة خلقت قبل الإنسان،
فهذا يدل على أن الملائكة كانت مخلوقة قبل خلق آدم عليه السلام ، وقد عظم الله عز وجل خلقهم، وإن الإيمان بالرسل والملائكه ركن من أركان الإيمان ، فلا يعتبر الإنسان مسلما ولا مؤمنا حتى يؤمن بأن الله تعالي قد أرسل للبشر رسلاً من أنفسهم يبلغونهم الحق المنزل إليهم من ربهم، ويبشرونهم وينذرونهم، ويبينون لهم حقيقة الدين كذلك الإنسان لا يكون مسلماً ولا مؤمنا حتى يؤمن بالرسل جميعا، لا يفرق بين أحد منهم، وأنهم جميعا جاءوا بالحق من عند الله .
وإذا سألنا أنفسنا ؟ لماذا أوجب الله الإيمان بالرسل، وجعله ركنا من أركان الإيمان، ولم يكتف سبحانه وتعالى من البشر بوجوب الإيمان به وحده، مع أن الإيمان بالله هو أساس كل شيء، وعبادته هي غاية كل شيء؟ فالإجابة على هذا السؤال واضحة، فكيف يعرف الإنسان ربه المعرفة الحقة إلا عن طريق الرسل؟ وكيف يعبده العبادة الحقة إلا بإرشادهم؟
والإيمان بالملائكة هو الركن الثاني من أركان الإيمان فلا يصح إيمان عبد إلا بالإيمان بهم ففي حديث سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه المشهور في قصة أمين الوحي جبريل عليه السلام قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره ” رواه مسلم، فالملائكة خلق من خلق الله اصطفاهم من بين خلقه وأكرمهم وخصهم بالفضائل والتطهير عن الرذائل فهم في غاية الأدب مع الله والامتثال لأوامره.
والملائكة محل للحياء، فعن السيدةعائشة رضي الله عنها ، أن النبي صلى الله عليه وسلم كان مضطجعا في بيتها، كاشفا عن فخذه وساقه، فاستأذن أبو بكر فأذن له، وهو على تلك الحال، ثم استأذن عمر فأذن له وهو على تلك الحال، ثم استأذن عثمان فجلس النبي صلى الله عليه وسلم وسوى عليه ثيابه، فدخل فتحدث، فلما خرج، قالت عائشة رضي الله عنها: يا رسول الله دخل أبو بكر فلم تهتش له ولم تباله، ثم دخل عثمان فجلست وسويت ثيابك؟ فقال: “يا عائشة ألا استحي من رجل تستحي منه الملائكة”؟
ومن الإيمان بهم الإيمان بأنهم من الكثرة بحيث لا يحصيهم إلا خالقهم عز وجل ففي حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الطويل في قصة الإسراء والمعراج قال ثم عرج إلى السماء السابعة فاستفتح جبريل فقيل من هذا قال جبريل قيل ومن معك قال محمد صلى الله عليه وسلم قيل وقد بعث إليه قال قد بعث إليه ففتح لنا فإذا أنا بإبراهيم صلى الله عليه وسلم مسندا ظهره إلى البيت المعمور وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك لا يعودون إليه ” رواه البخاري ومسلم.
فكم يصل عددهم إلى قيام الساعة؟ وفي حديث الصحابي الجليل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه في الملائكة الموكلين بجر النار يوم القيامة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يؤتى بجهنم يومئذ لها سبعون ألف زمام مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها” رواه مسلم، فهؤلاء بعضهم وما يعلم جنود ربك إلا هو.
وعن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم “رأى جبريل في صورته وله ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه التهاويل من الدر واليواقيت” ولا يوصفون بالذكورة ولا بالأنوثة، وقد أنكر الله على مشركي العرب اعتقادهم بأن الملائكة إناث ، فقال تعالى كما جاء في سورة الزخرف ” وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا أشهدوا خلقهم ستكتب شهادتهم ويسألون”
والملائكة لا يأكلون ولا يشربون ، ولذا لما جاؤوا ضيفانا على إبراهيم في صورة بشر وقدم إليهم الطعام ، لأنه لم يعرفهم ، لم يأكلوا منه ومن صفاتهم أن لهم قدرة على التشكل بغير أشكالهم، فكان جبريل عليه السلام يأتي للنبي صلى الله عليه وسلم ، في صورة رجل يسأل عن أمور الدين ، كما ورد في “صحيح مسلم” عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب، شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد ، الحديث، وفيه: أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان، وأشراط الساعة، ثم قال صلى الله عليه وسلم: ” هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم ” .
وثبت أن جبريل عليه السلام كان كثيرا ما يأتي رسول الله صلى الله عليه وسلم في صورة رجل من الصحابة يسمى “دحية الكلبي” وأن الصحابة رأوه على هذه الصورة.