بقلم / عبير مدين
رغم تعرضه للغرق طفلا إبن ثلاث سنوات وإنقاذه بأعجوبة لكنه أبى أن تسبب له عقده من السباحة وخوفا من المياه فظل يتسلل هاربا من رقابة أفراد أسرته لشاطئ بحر بسنديلة الواسع يراقب تيار المياه الجارف ساعة فتح الهويس ويحلم أن يكون مثل اطفال وشباب قريته الذين تعلموا السباحة في تلك المياه التي تتميز بشئ من اللزوجة أحيانا بسبب زيادة نسبة الطمي الذائب فيها فتجعل السباحة احيانا مجهدة وشبه خطرة خاصة وقت فتح الهويس الذي يفتح أسبوعا ويغلق آخر.
جلس الصغير على الشاطئ يلتهم قرصة ساخنة أعطتها له أمه وهي تخبز مستمتعا بمذاقها الشهي ويلتهم الطبيعة الساحرة بعينه التي تفيض بالذكاء والعناد كيف لهذه الطبيعة أن تقاوم وتعوق رغبته في اكتشافها؟!
بدأ يزحف جالسا يقترب من المياه رويدا رويدا كانت تشبه بسحرها و تلألؤها تحت أشعة الشمس النداهة التي كان يسمع الحكايات المثيرة والمرعبة عنها من كبار العائلة تناديه ليلقي جسده النحيل بين أحضانها.
ما إن لامست قدمه صفحة المياه حتى نسي حادث تعرضه للخطر هو يشعر أن في أعماقه مقاتل يرفض أن يهزمه الخوف.
مع الوقت بدأ يتعلم السباحة مثل أقرانه وقت غلق الهويس حيث لا يتراوح ارتفاع المياه نصف متر او أعلى فى بعض المناطق، ظل كثيرا ما يذهب إلى شاطئه وهو فى الصف الاول وثاني الإبتدائي يتعلم السباحة على الشاطئ ويتوق أن يكون مثل الأطفال الأكبر سناً منه والشباب وهم يسبحون فيه على مسافات ابعد خلال أسبوع الجفاف أما فى أسبوع فتح المياة حيث تكون المياه مرتفعة فلا يسبح فيه الا الشباب والكبار فكانت متعته مشاهدة هؤلاء وهم يسبحون ويسرح بخياله فيرى نفسه وسطهم ينافسهم في السباحة ويتفوق عليهم!
اليوم وقف مستندا على جزع شجرة الصفصاف التي تدخلت أغصانها كعزراء انحنت تغسل خصلات شعرها في الماء لقد أصبح اطول قليلا بعد أن وصل الصف الرابع هذه العلامات التي حفرها على جسد الشجرة أخبرته هذا فتجرأ أن يدخل مسافات ابعد ثم زادت الجرأة وبدأت يدخل إلى ربع البحر ويعود ثم يدخل إلى نصف البحر ويعود إلى أن عبره الى الشاطئ الأخر وهو مملوء ملئ عادى وليس ملئ الفيضان!
فى شهور الفيضان قبل إكتمال بناء السد العالى فى بداية ستينيات القرن الماضى كانت المياة تأتى مندفعة ثقيلة محملة بالطمى شكلها مخيف وصوت إندفاعها يرعب وكان الشباب والكبار يتجنبون النزول فى وجود هذا الفيضان الهادر
ولكنه بجرأه وتهور وعدم إدراك لصغر سنه أقدم على عكس الجميع النزول والسباحة بجانب الشاطئ وهو غير مدركا لخطورة هذا التهور مرت ايام وتعود على السباحة بجانب الشاطئ ثم بدأ يتجرأ أكثر ويدخل إلى ربع البحر ويعود ثم إلى ثلث البحر ويعود وفى أحد الأيام قرر الدخول حتى منتصف البحر ودخل حتى المنتصف وكانت المفاجأة أن المياه فى منتصف النهر أشد أندفاعا بكثير من جانب الشاطئ وصوتها مخيف وبدأ يشعر بقواه تخور ولم يعد قادرا على مواجهة إندفاع مياه الفيضان الهادرة المندفعة وايقن أنه لو حاول الإستدارة للرجوع سوف تطبق عليه المياه وتبتلعه هذه المرة لا وجود لصالح في الجوار!
في المياه المندفعة وسوف تكون النهاية! قرر الإستمرار فى السباحة إلى الشاطئ الأخر ووصل وهو فى أشد حالات التعب والإعياء ومنذ ذلك الحين لم يعد ينزل البحر فى أيام الفيضان مطلقا
لكنها أبدا لم تكن اخر مغامراته فمثل هذا المقاتل ظل يرفض الاستسلام للخوف