الكذب الإستراتيجي ( الكذب النبيل )

كتب / د. فرج أحمد فرج

قرات لك:
لا تتعجب ان وجدت الكذب شائعا لانه ضاربا منذ بداية الخلق ووجد طريقه والعوامل التاريخية والثقافية لممارسته ، فالكذب ..كما قال كانط اخلال بالوعد الذي اعطاه واستمر يدعيه مرارا
لماذا يكذب القادة والزعماء: حقيقة الكذب في السياسة الدولية
هذا عنوان كتاب من اصدرات عالم المعرفة الذي صدر في دولة الكويت في 27-12- 2017
يتحدث الكاتب عما أسماه “الكذب الاستراتيجي” أو “النبيل” الذي يستخدمه القادة لتحقيق مصالح الشعب أو الوطن، لا المصالح الشخصية، ويرى أن الكذب نوع من الخداع بالإضافة إلى الإخفاء والتلفيق.
1- ما الكذب؟ يوضح الكاتب أن من الضروري تعريف المصطلح الأشمل وهو”الخداع”، حيث يتضمن ثلاثة سلوكيات، هي الكذب والتلفيق والتكتم، وأيضًا من المهم تعريف الصدق وهو السلوك المضاد لمفهوم الخديعة.
2- الصدق اصطلاحا: هو نقيض الكذب، وذلك بالإخبار عن الأمر والشيء ووصفه على ما هو به، كما عُرِّف بكون القول مطابقاً لما في الضمير والمُخبَر عنه ويتمحور الصدق في الاقوال وفي العمل والنية
وعندما يدلل علي صدقة او كذبة بالحلفان.. اعلم انه بيكذب
في الكتاب يصحح الكاتب مفهوم صدق السياسي وكذبه فما يراه العوام في بعض الأحيان كذبهم لكنه يري ان ما يفعلوه مجرد اقتصاد واختصار للكلام او ما نميزه بـ “ فن الكلام ” فإنها أكثر عرضة للكذب كسلوك إنساني موجود فى الممارسة السياسية العادية، وفي حين أن الكذب يصبح جزءا من أدوات الفعل السياسي علي المستوي الداخلي، وربما يكشف ويكتشف في سياق الأحداث الجارية، وما ينتج عن ذلك من تسجيل نقاط علي الكاذبين باعتبارهم قد جاءوا بأفعال منافية للقيم العامة والأخلاق.
فلماذا يكذب القادة؟!
يحاول الكتاب توضيح حقيقة الكذب فى العلاقات الدولية للبروفسير جون ميرشيمر الإجابة عن الجملة تساؤلات تتعلق بدور وفاعلية الكذب، مع التركيز علي الولايات المتحدة الأمريكية وما قام به عدد من رؤسائها حيال الأزمات التي واجهتهم في الإطار الدولي.
يسعي جون ميرشيمر إلي الإجابة عن أسئلة تتعلق بأنماط الكذب فى السياسة الدولية، وأسبابه ومبرراته لدى القائد الكاذب، ووظيفة الكذب فى تعزيز وتقوية المعيار التفاوضي فى السياق الدولي، وهل الكذب مقبول ومبرر كفعل، أم أنه مرفوض ومستنكر؟. وهل يكذب القائد على شعبه أم على الدول الأخرى؟ وهل ينجح الكذب فى تحقيق أهدافه؟ وماذا يحدث عادة حين تُكتشف الكذبة؟ وهل يدفع من صاغ الكذبة ثمن ذلك الفعل؟ وما طريقة تحمل المسؤولية ومدى فداحتها؟ وهل يظهر الكذب أكثر فى الدول الديموقراطية أو فى الدول ذات الحكم المركزى؟.
ويأتي كتاب لماذا يكذب القادة فى ثمانية فصول، بدأت بتعرف الكذب ومجموعة من الأمثلة للكذب علي المستوي الدولي، وتتعاقب الفصول لتوضح مواطن الكذب بين الدول وبعضها، وترويج الخوف وتوضيح لإستراتيجية التكتم وناقش الفصل الأخير من الكتاب الجانب السلبي للإخبار بالأكاذيب الدولية.
يجيب جون ميرشيمر عن كل تلك الأسئلة من خلال استحداثه تصنيفا جديدا لأنواع الكذب، وكيفية تداخل الظروف الداخلية والخارجية لإبراز نوع على حساب نوع آخر .

ويفتح الكتاب آفاقا واسعة لمزيد من الدراسات في دور الكذب في السياسة، وهي الظاهرة المسكوت عنها في مجمل الدراسات السياسية
2- قائمة الأكاذيب الدولية في السياسة الدولية يستطيع القادة أن يختلقوا عدة أنواع من الأكاذيب، ولكل نوع غرض محدد، وأحيانا يؤدي نوع واحد أغراضا كثيرة، فتوجه الأكاذيب بين الدول إلى دول أخرى بهدف تحقيق تفوق استراتيجي واختفاء تحسن وضعها وعادة يوجه هذا النوع من الأكاذيب للدول المنافسة.
ويظهر أسلوب إثارة الذعر عندما يكذب قائد ما على شعبه بخصوص قضية سياسية خارجية تهدِّد البلد، معتقدًا عدم اكتراث شعبه لهذا التهديد كي يدفع الشعب للجدية وتقديم التضحيات، فلا يلجأ القادة هنا إلى إثارة الذعر لأنهم أشرار أو لتحقيق مكاسب شخصية، ولكن لتحقيق المصلحة الوطنية.
وهناك أيضا ما يسمى بالتغطيات الاستراتيجية وهي أكاذيب تهدف إلى إخفاء سياسات فاشلة أو مثيرة للجدل عن الشعب أو عن دول أخرى، ولا تطلق الدولة هذه الأكاذيب لحماية الفاشلين في أعمالهم أو لإخفاء سياسات غبية،
بل لحماية الدول من الأذى مثل الكذب عن ضعف قدرات الجيش في حالة الحرب للحفاظ على تماسك وتضامن الجبهة الداخلية. وأما صناعة الأساطير القديمة فهي عندما يصدر القادة أكاذيب بشكل أساسي لشعبهم حول ماضي دولتهم.
السياسة هي فن إدارة شؤون الدولة والمجتمع، وعلاقات الدولة مع الدول الأخرى، في ظل نظام دولي يتسم بالفوضى السياسية والأخلاقية والقيمية وفق منهجية واضحة ترتسم من خلال تراكم الممارسات، وتعد النظريات السياسية، ومنظوراتها في إدارة العلاقات الدولية في زمن الأزمات والحروب والسلم.
يجب التنبه في عالم العولمة المعلوماتية، من أقوال السياسيين، وربطها مع أفعالها، في عالم يبحث كل فرد فيه عن مصلحته «الوطنية – الشخصية». وعن أمنه، بالوسائل المتاحة، وحتى بالكذب والخداع والغش والتلفيق والتكتم والتغطية والاستراتيجية، لتحقيق هدف مجدد أو عدة أهداف.
يأخذ الكذب في السياسية الدولية أشكالاً وأنماطاً عديدة، ويكون الكذب على الشعب ودول أخرى صديقة وحليفة كانت أم عدوة، وفي الدول الديمقراطية أو غير الديمقراطية.
والكذب الأكثر هو في الدول الديمقراطية، وهكذا تصبح القيم مجرد شعارات فارغة.
لكن السؤال هو كيف، ومتى، وعلى من يكذب السياسيون، وما هي أنماط الكذب في السياسة الدولية، ولماذا؟ وهل الكذب موجود في سجلات التاريخ؟ وهل ينجو الكاذب دوماً من عواقب أكذوبته الفاشلة في تحقيق الهدف من ورائها؟ وهل يدفع الثمن جراء ذلك؟ وما هو؟ ومن الذي يجعله يدفع؟
يجيب جون جي. ميرشايمر في هذا الكتاب على الأسئلة المذكورة أعلاه بتسلسل منطقي، ويضرب أمثلة من التاريخ القديم والمعاصر، عسى أن تتضح الصورة للسواء الأعظم من الناس في ظل العولمة الإعلامية واسعة الانتشار، والمجتمعية التي لها تأثير في اتخاذ القرار، لمنع الحروب والعنف والإرهاب وتحقيق إنسانية الإنسان في المحبة والتعاون والصدق، إنقاذاً للبشرية .
يُقال إن السياسي لا يكذب، ولكنه « يقتصد في قول الحقيقة ». ولأن السياسة هي « فن الممكن »، فإنها أكثر عُرضة للكذب كسلوك إنساني موجود بكثرة في الممارسة السياسية العادية. وفي حين أن الكذب يصبح جزءا من أدوات الفعل السياسي على المستوى الداخلي، وربما يُكشَف ويُكتشَف في سياق الأحداث الجارية، وما ينتج عن ذلك من تسجيل نقاط على « الكاذبين » باعتبارهم قد جاءوا بأفعال منافية للقيم العامة والأخلاق، وربما القانون، فقد بقي دور الكذب في السياسة الدولية بعيدا عن الفحص المنهجي، وقلما تُعُومِل معه كمبحث قائم بذاته
3- الكذب بين الدول أطلق أحد السفراء تعليقًا مشهورًا بأن السفير هو”رجل أمين” أرسل خارجًا ليكذب من أجل مصلحة دولته، وتوضح هذه العبارة حقيقة كذب الدول بعضها على بعض لتحقيق المصالح الوطنية،
ويوضح الكاتب أن هذا التعليق غير دقيق لأن القادة السياسيين وممثليهم الدبلوماسيين في الواقع يتعاملون بالصدق أكثر من الكذب، وقد يكتمون الخظأ ولكنهم لا يكذبون، ومن الصعب تحديد حجم الكذب بين الدول مقارنة بالكتمان والتلفيق،
ويوضح المؤلف أن عدم وجود الكذب بين الدولتين مبني على عدم وجود أمثلة عن حكام يكذب بعضهم على بعض، وبالتأكيد تعريف الشخص لمفهوم الكذب يؤثر في أي تقييم لمدى وجود كذب بين الدول، والتعريف الضيق أكثر منطقية، فمن خلاله يسهل التمييز بين أنواع الخديعة، ولماذا يطبِّق كل نوع منها.
4- إثارة الذعر عندما يرى القادة خطرًا محدِّقًا بهم ولا يتمكَّنون من إيقاظ الشعب لرؤية هذا الخطر، يلجأون إلى هذا الأسلوب، ويضرب الكاتب مثالًا بعدم اهتمام الشعب الأمريكي بخطورة الاتحاد السوفييتي، ولجوء القادة إلى الكذب ليحصلوا على دعم الشعب.
5- التغطيات الاستراتيجية يوجد نوعان من التغطيات الاستراتيجية، فالقادة يكذبون أحيانًا حينما تفشل سياسة ما فشلًا شديدًا، فيلجأون إلى الكذب لحماية مصلحة البلاد، وليس لحماية الأشخاص المخطئين، وإن كانت الحماية في صالحهم،
ويكذب القادة أيضًا لإخفاء استراتيجية جيدة ولكنها مثيرة للجدل مخافة عدم تبنِّيها بسبب الرفض الجماهيري، وفي كلتا الحالتين يعتقد القادة بـأنهم يكذبون من أجل مصلحة بلدانهم.
6- الأساطير القومية في ظل ظهور القومية الوطنية، لجأت مجموعات قومية وطنية عديدة حول العالم لتأسيس دولها التي عُرفت بالدول القومية، وفي أثناء هذه العملية حاولت كل مجموعة صنع أساطيرها الخاصة العظيمة عن ماضيها،
وتشويه أساطير خصومها، ويتطلَّب اختراع هذه الأساطير ونشرها حول العالم كثيرًا من المغالطات التاريخية. وتتطلَّب النخبة التي تسيطر على مسارات التفكير بدولة ما مسؤولية كبيرة لخلق هذه الأساطير، حيث تساعد هذه الأساطير على تقوية التضامن الاجتماعي وخلق شعور قوي بالوطنية،
وهذه القصص الخيالية لا تستدعي الفخر فقط، بل تستحق تحمل المتاعب من أجلها، والقتال والموت في سبيلها.
في النهاية الكذب مذموم والصدق انجي كما قيل في امثالنا العامية وتراثنا الديني .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.