د. محمود محمد علي
قرأت خلال الأيام الماضية كتابا بعنوان “المنهج في الفكر العربي المعاصر من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي للأستاذ عبد الله أخواض ، وهذا الكتاب ركز على قضية مهمة وهي أن النهضة الحقيقية تنطلق من النسق الفكري للأمة ومن أصالتها المنهجية وصدق وفعالية أفكارها وقدرة جهازها المفاهيمي على التوليد والإبداع، وإن حركة التاريخ لا تؤتي ثمارها إلا في إطار نسقها العقدي والفكري، أما الاعتماد على مجموعة من المرتكزات والمفاهيم المنبثقة من أنماط حضارية أخرى فيُحدث الخلل والتناقض، ويُعطل المسير حيث ينبغي له السْري، ويسري حيث لا ينبغي أن يسري.
وفي نظر الأستاذ عبد الله أخواض فإن قضيةَ المنهج والمنهجية يَتوجب أن تأخذ مكانة متقدمة في سلَّم الأولويات، فالمعركة اليوم في كثري من المجالات والمشاريع تكاد تنحصر في نظرنا حول قضية المنهج؛ لأنه هو التصور والفلسفة والرؤية (للماضي والحاضر والمستقبل). والوعي بهذه القضية يجعل الأمة قادرة على الدخول في تنافسية حقيقية مع المركزية الغربية، وإن حركة التاريخ «لا تؤتي ثمارها وفاعليتها إلا في إطار نسقها العقدي والفكري الخاص بحضارتها ومسارها في خضم الكيانات الحضارية، أما اعتماد مجموعة من المرتكزات والمفاهيم المنبثقة عن أنماط حضارية مغايرة فيُ ِحدث الخلل والتناقض بين الأنساق الحضارية وعالم أفكارها الذي يفصل بينها، فإذا كان التقدم الحضاري يبدأ من خلال الأفكار فإن التحليل يبدأ أيضا من خلالها.
تحليل الآثار المدمرة للأفكار الوافدة وخيانة لأصالة الفكرة الإسلامية نظر الأستاذ عبد الله أخواض هي التي غيبت عن ساحة الفعل الحضاري المعاصر. كما تسعى الدراسة إلى تعرية الأسس والمنطلقات المرجعية، والمنهجية التي ظل ينطلق منها الفكر العربي المعاصر على اختلاف توجهاته، وكشف تهافُت أطروحاته، والتأكيد على خصوصيات المجتمعات العربية، وحقها في تحقيق الاستقلال المنهجي في دراسة قضاياها وتجاوز الأدوات المنقولة إلى أدوات مأصولة وموصولة بالذات الأصيلة تاريخيٍّ ً ا وحاضرا ومستقبلا.
ولذلك يَتعمَّق كتاب الدكتور «أخواض» في فحص أربعةِ نماذجَ لتناوُل إشكالية المنهج والمنهجية في الفكر العربي المعاصر، وينظر في الكيفية التي قاربت بها التياراتُ القومية والعلمانية والإسلامية — ممثَّلةً في المفكِّرين: «الجابري» و«أركون» و«المسيري» و«طه عبد الرحمن» — التصوُّراتِ الفكريةَ الأساسية وإشكاليةَ التخلُّف ومحدِّداتها ومسبِّباتها وآليات علاجها، وإشكاليات التعامُل مع الحداثة ومنتجاتها؛ ويُفصِّل الأُسسَ والمنطلقات المرجعية التي أقاموا عليها تصوُّراتهم وبِناهم المعرفية.