الفتوحات الإسلامية: هداية ورحمة أم غزو واستعمار؟


د. محمود محمد علي


لقد شغل موضوع الجهاد حيّزاً مهماً في كتب الفقه الإسلامي وأدبيات جماعات الإسلام السياسي، وقد اختلط في بحثه ودرسه النصّ بالتاريخ (مسيرة الدولة العربية الإسلامية)، وفصّل الفقهاء في تعريفه وأنواعه، بحيث تجلّى في نوعين اثنين هما: جهاد الدفع: الذي يتعلق بالدفاع عن الوطن (دار الإسلام) في حال تعرض لغزو خارجي، وجهاد الطلب: وهو طلب العدو في عقر داره (دار الكفر) حتى يُسلم أو يعطي الجزية أو يُقاتل، وتحقق هذا النوع من الجهاد في التاريخ الإسلامي عبر الفتوحات أو الفتوح .
وإذا تتبعنا حركة الفتوحات التي قامت بها الدولة العربية الإسلامية، زمن الخلفاء الراشدين، مروراً بدولة بني أمية، وبني العباس والسلطنات التي تفرعت عنها، والدولة الفاطمية، وبني أمية في الأندلس، وصولاً إلى دولة آل عثمان الأتراك، نجد أنّها قد توسعت شرقاً في بلاد فارس وما تلاها من بلدان، وغرباً في شمال المغرب وأوروبا، فضمت بذلك أراضي شاسعة إلى حكم المسلمين، كما جلبت أعداداً كبيرة من الأسرى والسبايا إلى حواضر الدولة؛ حيث تمّ اصطفاء السبايا كملك يمين، والمتاجرة بالأسرى في أسواق النخاسة كعبيد، كما صودرت خيرات البلاد المفتوحة لصالح الدولة الفاتحة، التي امتلأت خزائنها بالأموال الوفيرة .
تُثار بين الفينة والأخرى أسئلة قلقة تهدف للكشف عن طبيعة الفتوحات الإسلامية التاريخية، ومعرفة أهدافها وغاياتها، وما الذي اختلفت فيه عن الاستعمار والاحتلال؟ وهل كل تلك الفتوحات كانت من أجل إيصال هداية الإسلام إلى الأمم الأخرى، أم أن منها ما كان لغايات بسط النفوذ والهيمنة كما هي نزعة التوسع في كل الإمبراطوريات الأخرى؟، وهل هناك فرق بين الفتح والاستعمار؟، وما معنى الاستعمار والإمبريالية؟ ومن الذي صنعهما؟، ولماذا نسمي الفتوحات الإسلامية فتحاً ولا نسميها غزواً او احتلالاً او استعماراً ؟، ولماذا سميت المعارك أو الفتوحات الإسلامية التي تمت في عصر قوة الإسلام؟ بالفتوحات أليست هذه المعارك نوعا من الاحتلال؟ ويقول بعضهم: ألم تكن هذه الحروب قهرا للشعوب على الدخول في الإسلام تحت حد السيف؟، كيف يتم هنا احتلال أراضي الغير، واعتبار ذلك واجباً مقدساً، بينما تعد حملات الفرنجة (الحملات الصليبية) قديماً، والاستعمار الأوروبي حديثاً، اعتداءً واحتلالاً يهدف إلى القضاء على الإسلام والمسلمين؟
وفي الإجابة علي تلك التساؤلات نجد أن هناك رأيان مختلفان ، احدهما يقول أصحابه أنه من باب السخرية أن نلصق الإسلام والمسلمين بصفة الاستعمار والإمبريالية ، وأن الهدف من الفتوحات نشر دين الله للناس كافة. وثانيهما يقول أصحابه أن الإسلام كالنُّظُم الإمبرياليَّة احتلّ باسم الفتح أماكن مختلفة من العالم، ثم استعمرها فيما بعد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.