بقلم / د. محمود محمد علي
منذ بداية السبعينيات ،وحتى نهاية الحرب الباردة من القرن الماضي ، خضع النظام العـالمي لعملية تسريع كبرى لم يشهد التاريخ لها من قبل مثيلا، وقد تمثلت أساسا في انفجار تكنولوجي كبير في ميدان الإعلام والاتصال ارتفعت بموجبه قوة جمع المعلومات وتخزينها واستغلالها ونقلها إلى مستويات غير مسبوقة في تاريخ الإنسانية من قبل، انبعثت في خضمها ظـواهر جديـدة؛ لعل أوسعها انتشارا وأكثرها جماهيرية ظاهـرة “العولمة”، التي يراها الكاتب الشهير “مارك فيرو” نظاما ينـهض على نتاج أربع عولمات وهي على النحو التالي:
أولا: عولمة الاقتصاد : وقد بدأت تظهر خلال القرن السادس عشر، وهو ملمح مـا فتئ يتسـارع ويتطور، ليبرز إلى الوجود ظواهر مثل: ارتفاع وانخفاض الأسعار، تطور التقنيات، تزايد الضـغوط الخارجية…التي أفقدت المـواطن معـاييره الثابتـة والكامنـة حـول الملـك والضـابط، والقانون وغيرها، وهذه الفترة أرخت لما يسميه” فيرو”، بـ” فترة ضياع المعايير”.
ثانيا: ثم جاءت بعد ذلك، مرحلة العولمة البيروقراطية، والتي تزامنت مع الثورة الفرنسـية، وظهور بذور العهد التكنوقراطي والسلطة المركزية، واتساع الهوة بين المركـز والأطـراف، وأدت إلى “رفض كل من هم خارج النظام من مهمشين وضحايا بما في ذلك مناطق بأكملها، وهذه الفترة كرست لمرحلة” غياب الملجأ أو ضياعه”.
ثالثا: ثم جاءت المرحلة الثالثة؛ وهي التي أسست للعولمة العلمية خلال القرن السابع عشـر، على أنها كانت بطيئة لأعلى مستوى العلوم الطبية والفيزيائية فحسب، ولكن فيما يخـص العلـوم الإنسانية والاجتماعية والعمران أيضا.
رابعا: ثم مرحلة عولمة الإعلام والاتصال وهي تؤرخ لمرحلة توحيد الخبر الذي تتناقله وسـائل الإعلام والاتصال الجماهيري كل يوم بفضل التطورات التي شهدتها تكنولوجيا البث الفضائي خاصة، والتي صنعت وكرست وسايرت ظاهرة العولمة لتفرز من بين ظهرانيها مابدأ يصـطلح عليه بـ”القرية الإعلامية “أو” التميع الإعلامي الكوكبي”.
ولا شك أنه في كل يوم يزداد تأثير وسائل الاعلام وخاصة التلفزيون في حياتنا حيث أصبح المصدر الاساسي لثقافتنا ولاطلاعنا على كل ما يدور من حولنا في العالم , مما يستدعي من الباحثين في مجال الاعلام الانتباه لهذا التأثير خاصة مع التدفق الاعلامي الاحادي الجانب في اطار العولمة وتصدير المضامين الثقافية نحونا والتي لا تتناسب مع ثقافتنا وهويتنا العربية والإسلامية .
وفي ظل التحولات التي يشهدها الوطن العربي من صراعات سياسية وثقافية واجتماعية و الاختلالات التي انعكست سلبا على تطور المجتمع الثقافي , ولا يمكن لأي مجتمع اليوم أن يفرض مكانته بعيدا عن كيانه الاجتماعي والثقافي , كما لا يمكن الحديث اليوم عن الهوية في المجتمع دون أن نربطها بالتاريخ وبالقيم الدينية ومدى مساهمة مؤسسات التنشئة الاجتماعية في تكوين هويته وثقافته , حيث تشكل العولمة بكل أشكالها تحديا حقيقيا للمجتمعات العربية بالنظر الى تأثيرها على الهوية الثقافية والحضارية للمجتمع العربي .
ومن هنا أضحي الإعلام يعد في عصر العولمة مجرد خطاب سياسي أو ثقافي أو اقتصادي ..إلخ ولكنه أصبح شريكا رئيسيا في الفعل العولمي يمهد له ويسهم في صنعه ويتابع تطوراته ويصحح اتجاهاته إذا انحرف عن مساره، ويستند الإعلام الرسمي الذي تمتلكه الحكومة الكويتية علي أهدافه التنموية والتماسك والانتماء القومي وتقريب وجهات وتوثيق أواصر الصلة بين الحكومات والشعوب .
وتتجلى العولمة في مظاهرها وأبعادها الإعلامية والاتصالية في زيـادة عمليـات التـدفق الإعلامي عبر الحدود الوطنية؛ ممثلا في البث التلفزيوني عن طريق الأقمـار الصناعية، وشـبكة الانترنيت التي أصبحت تربط كل العالم، من خلال تطور أجهزة الكمبيوتر الـتي سـاهمت في تفعيل العمليات الاتصالية، محدثة بذلك ثورة معلوماتية واتصالية-خاصة بعد اندماج وتكامـل تكنولوجيا الاتصال مع تكنولوجيا المعلومات-أتاحت فرصا غير محدودة أمام الجمهور للانتقاء بين وسائل الإعلام التقليديـة(صـحف، إذاعة، تليفزيون)،والحديثـة(البـث الرقمي، أجهـزة الكمبيوتر، شبكات المعلومات، الصحافة الإلكترونية، والوسائل المتعددة).
وإذا رجعنا للنشرة الفصلية للمؤسسة العربية لضمان الاستثمار مؤشر كوف للعولمة وقالت: صدر عن معهد كوف KOF السويسري المتخصص بدراسات الدورة الاقتصادية مؤشر يعنى بقياس العولمة من خلال ثلاثة أبعاد رئيسية: اقتصادية، اجتماعية وسياسية، ويغطي المؤشر الكلي للعولمة 123 دولة منها 11 دولة عربية ، يختلف ترتيبها في المؤشرات الفرعية الثلاثة بحسب توافر البيانات. تصدرت الامارات مؤشر العولمة الكلي على صعيد الدول العربية واحتلت الترتيب 21 عالميا، تلتها الكويت (32 عالميا)، ثم البحرين (34 عالميا)، فيما حلت السعودية في الترتيب 123 عالميا لعدم توافر البيانات الكافية. وقد رصد المؤشر تفاوت العولمة بأبعادها الثلاثة في الدول العربية، حيث تصدرت البحرين المؤشر الفرعي ‘العولمة الاقتصادية’ تلتها سلطنة عمان ثم الكويت، فيما تصدرت الكويت المؤشر الفرعي ‘العولمة الاجتماعية’ تلتها البحرين ثم الامارات، بينما تصدرت مصر المؤشر الفرعي ‘العولمة السياسية’ تلاها الاردن ثم تونس.