بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد كان العمل على إقرار السلام عن طريق إقامة العلاقات الودية وعقد المواثيق، والمعاهدات بين العشائر والقبائل والشعوب من أهم الأغراض التي سعت إليها الجماعات، ومن أجل ذلك أيضا كثرت التفسيرات حول مفهوم السلام وتحديد مقوماته، كما يدل على ذلك استعراض تاريخ الأديان والفلسفات والمذاهب الفكرية المختلفة، وقد ظل السلام معنى شائعا غير محدد، يختلف تفسيره باختلاف الزمان والمكان وطبائع الشعوب، فكان هناك سلام روماني، وسلام مسيحي، وأنواع أخرى من السلام، حتى جاء الإسلام في القرن السابع الميلادي فحدد مضمونه، وأرسى له لأول مرة قواعد وأسسا واضحة لا تحتمل الاختلاف في التأويل، فالسلام في الدين الإسلامي ضرورة لا غنى عنها.
لصلاح العالم وخيره وتقدمه، ومن ثم فهو غاية ينبغي أن تحتل مكانتها في الصدارة بين الغايات الحميدة التي يدعو إليها، أما جوانبه فلقد حددها في السلام بين العبد وبين نفسه، ثم السلام بينه وبين الله تعالى، ثم السلام بينه وبين سائر الناس، فلكي يعيش المرء في أمن، يكفل له التفرغ لبناء حياته، والإسهام في بناء العقيدة والمجتمع وتنميتهما يجب أن يؤمن بالسلام سبيلا لذلك، وأن يدعم إيمانه بالسلوك والعمل الإيجابي، فإذا جاءه أخ له في الإنسانية يبتغي التعارف والألفة والتعاون، فليمد له يده وليمنحه ثقته وليتعاون معه، وبذلك تصلح النفوس ويزايلها القلق، فينصلح المجتمع وتتقدم البشرية، وتوجد العديد من المنظمات الدولية التي تدعو دائما إلى نشر السلم والسلام بين الدول من جانب، وبين سكان الدولة نفسها من جانب آخر.
ومن أشهر هذه المنظمات هى عصبة الأمم المتحدة، حيث تم إنشاء عصبة الأمم المتحدة بمقتضى معاهدة فرساي عام ألف وتسعمائة وتسعة عشر ميلادى، وذلك بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وانهيار الدول الأوروبية الكبرى، حيث حلت محلها معاهدة الأمن الجماعي التي دعت جميع أعضاء المجتمع الدولي إلى نبذ الحروب وأعمال العنف، ومنع استخدام القوة لحل المنازعات الدولية، وذلك بتنفيذ القرارات الدولية الصادرة عنها رغما عن إرادة الدول الأعضاء في المنظمة، ومن أجل تحقيق الهدف الذي ترجوه عصبة الأمم المتحدة في حفظ السلم والأمن الدوليين، فكان لا بد من تعهد الدول الأعضاء بالالتزام باحترام القانون الدولي والقرارات التي تنص عليها المواثيق الدولية.
والالتزام بعدم اللجوء إلى استخدام القوة في حل النزاعات، وإنشاء علاقات دولية وديَّة قائمة على الشرف والعدل، وعلى الرغم من الجهود المبذولة إلا أن عصبة الأمم لم تستطع حل النزاعات القائمة، بسبب انشغالها في تعديل وإصلاح هيكلها التنظيمي، بالإضافة إلى فرض الدول الكبرى هيمنتها وإصرارها على التوسع على حساب شعوب الدول الأخرى، مما أدى إلى فشل العصبة في تنفيذ خططها، في نشر الأمن والسلم الدوليين، فبعد ما خلق الله تعالى آدم عليه السلام وأسجد له ملائكته، فقال تعالى فى سورة الأعراف ” فسجدوا إلا إبليس لم يكن من الساجدين” استكبارا على الله تعالى واحتقارا لمن خُلق من طين أن يسجد له من خُلق من نار، جرى التكليف على آدم وذريته.
وسُلط الشيطان وجنده على إغوائهم، وصدهم عن سبيل الله تعالى، فمن أطاع الله تعالى دخل الجنة برحمته سبحانه، ومن سلك طريق إبليس وعصى الله تعالى استحق النار، فقال تعالى ” ولا يظلم ربك أحدا” ولقد جعل الله تعالى الدنيا ميدانا لهذا الابتلاء، وجعل الآخرة جزاء عليه، فمن خاف الله تعالى فأطاعه، وعمل بشريعته كان له الأمن الكامل، والرزق الدائم، والنعيم المقيم في الآخرة، فقال تعالى فى سورة الحجر ” إن المتقين فى جنات وعيون، ادخلوها بسلام آمنين” وفي الآية الأخرى فى سورة الدخان ” يدعون فيها بكل فاكهة آمنين” آمنين من فقدانها، وآمنين من الموت، وآمنين من كل ما يُخاف منه، ونسأل الله تعالى أن يجعلنا منهم.