بقلم/ محمـــد الدكـــروري
لقد كان الناس في العهد الأول قبل الإسلام يطوفون عراة بالبيت إلا من وجد ثوبا من قريش، فإنه يستعيره ويطوف به، أما من كان من غير قريش فلا يمكن أن يطوفوا بثيابهم بل يطوفون عراة” والحج في جزيرة العرب عبادة قديمة ترجع إلى عهد بناء البيت الذي جعله الله أول بيت وضع للناس، والذي رفع قواعده أبو الأنبياء إبراهيم عليه السلام، وأمره أن يُسكن أسرته الصغيرة عنده، وأن يؤذن في الناس بالحج استجابة لدعاء ربه أن يجعل أفئدة من الناس تهوي إليه ويرزق أهله من الثمرات، وبهذا أصبح الحج شريعة متبعة وموسما حرص العرب عليه ليشهدوا منافع لهم، وجاء الإسلام وما يزال الحج تمارس فيه شعائره القديمة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يشهد الموسم كعادة العرب.
وبعد البعثة عرض نفسه على القبائل الوافدة إلى مكة يبلغهم الدعوة، وكانت قلة من المسلمين تمارس الحج كميراث قديم ولم يكن فرض عليهم كما فرضت الصلاة في مكة حتى هاجروا إلى المدينة وكانت الحروب هي التي حالت دون زيارتهم للبيت الحرام، وكانت خطبة الوداع للنبى الكريم صلى الله عليه وسلم، فى حجته الوحيدة فى السنه العاشرة من الهجرة وقد قال صلى الله عليه وسلم فيها ” الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أوصيكم عباد الله بتقوى الله وأحثكم على طاعته وأستفتح بالذي هو خير.
أما بعد أيها الناس اسمعوا مني أبين لكم فإني لا أدري لعلي لا ألقاكم بعد عامي هذا في موقفي هذا، أيها الناس إن دماءكم وأعراضكم حرام عليكم إلى أن تلقوا ربكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ألا هل بلغت اللهم فاشهد، فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه عليها، وإن ربا الجاهلية موضوع، ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون وقضى الله أنه لا ربا، وإن أول ربا أبدأ به عمي العباس بن عبد المطلب، وإن دماء الجاهلية موضوعة، وإن أول دم نبدأ به دم عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير السدانة والسقاية والعمد قود وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجر وفيه مائة بعير، فمن زاد فهو من أهل الجاهلية ألا هل بلغت اللهم فاشهد.
أما بعد أيها الناس إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه، ولكنه قد رضي أن يطاع فيما سوى ذلك مما تحرقون من أعمالكم فاحذروه على دينكم، أيها الناس إنما النسيء زيادة في الكفر يضل به الذين كفروا يحلونه عاماً ويحرمونه عاما ليوطئوا عدة ما حرم الله فيحلوا ما حرم الله ويحرموا ما أحل الله، وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض، وإن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق الله السموات والأرض، منها أربعة حرم ثلاثة متواليات وواحد فرد ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ورجب مضر الذي بين جمادى وشعبان ألا هل بلغت اللهم فاشهد.