بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الدرس المستفاد من الآيات والأحاديث في موضوع الصراع أو الخصومة بين الحق والباطل هي ثبات الحق وانتصاره ورسوخه وطيشان الباطل وزواله، وهذا ظاهر من خلال الآيات القرآنية الكثيرة، فإن الطائفة التي تحمل الحق سماها الرسول صلى الله عليه وسلم الطائفة المنصورة، إشارة إلى أن النصر هو حليفهم في النهاية طال الزمن أم قصر، وهذا نموذج من الخصومة بين الحق والباطل، لأن الخصومة قد تكون خصومة فكرية، وقد تكون خصومة في ميدان القتال، وإن الملاحظة الرابعة، وهى أن هذا النصر الموعود ليس أمرا يأتى بقضاء الله وقدره بدون جهد البشر، والله قادر على ذلك.
فالله تبارك وتعالى خلق في السماء ملائكة لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون” وفي حديث أبي ذر الغفارى في صحيح مسلم يقول الرسول صلى الله عليه وسلم “أطت السماء وحق لها أن تئط والأطيط وهو صوت الراحل إذا ثقل عليها الراكب أو غيره صار له صوت أطيط وأزيز، ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وفيه ملك راكع أو ساجد” فهؤلاء لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، فالله تبارك وتعالى قادر على أن يخلق البشر كذلك لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون، لكن خلقهم عز وجل بهذه الصفة، وجعل الإنسان في ميدان الخصومة بين الحق والباطل للابتلاء والامتحان.
فالله تبارك وتعالى شاء أن يخلق بشرا يمكن أن يهتدي، ويمكن أن يضل ليتحقق بذلك الابتلاء والاختبار لحكمة يعلمها، وهو عز وجل أحكم الحاكمين، فهذا النصر ليس غنيمة باردة يقبضه الإنسان بدون ثمن، بل لا بد من الصبر والجهاد، وكما أن أهل الباطل يجهدون ويجاهدون ويتعبون، فكذلك أهل الخير، إذ أن الجهد الذى يبذله أهل الباطل يجب أن يبذل أهل الخير لا أقول مثله، لكن أقول يجب أن يبذل أهل الخير ما يستطيعون في مواجهته ” لا يكلف الله نفسا إلا وسعها ” فلا يظن الإنسان أن الطريق معبده، وأنها مفروشة بالورود والرياحين، ويكفيه أن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام لاقوا في سبيل هذا الطريق ما لاقوا.
منهم من أوذي، ومنهم من أخرج، ومنهم من طورد حتى قال ورقة بن نوفل كما في صحيح البخارى للنبي صلى الله عليه وسلم أو ل ما بُعث ” ليتني أكون حيا حين يخرجك قومك، قال أومخرجي هم؟ قال نعم، لم يأتى أحد بمثل الذي جئت به إلا عودي، وإن يدركني يومك أنصرك نصرا مؤزرا ” وهذا الذي حدث فعلا حيث أخرج الرسول صلى الله عليه وسلم، وقصة إخراجه من مكة فيها عبرة، وفيها ما يثير نفوس المؤمنين، وكأني أنظر إليه صلى الله عليه وسلم وقد طارده المشركون وضايقوه وأحكموا عليه الخناق حتى اضطروه إلى الخروج من مكة البلد الأمين الذى يحبه صلى الله عليه وسلم، فخرج حزينا على ذلك، فلما وصل إلى الحزورة.
وهو مكان يقع إلى الشرق من الكعبة، وهو اليوم أسواق التفت إلى الكعبة وهو بقلب حزين ودمعت عيناه صلى الله عليه وسلم وقال يخاطب مكة ” والله إنك لأحب البلاد وأفضل البلاد إلى الله ولولا أن أهلك أخرجوني منك ما خرجت” ولما ذهب إلى المدينة صلى الله عليه وسلم وأصابته الحمى، وكان في المدينة محمومة في ذلك الوقت، وأصابت الحمى أصحابه، فكانوا يقعون تحت طائلة هذه الحمى، حتى إن بعضهم كان يقول من شدة الحمى ولا يعى ما يقول ألا ليت شعرى هل أبيتن ليلة بوادى وحولى إذخر وجليل، وهل أردن يوما مياه مجنة وهل يبدون لي شامة وطفيل، يتطلعون إلى معالم ومواضع وأماكن وجبال في مكة عاشوها وما حولها.