بقلم / محمـــد الدكـــروري
يتضمن المنهج الإسلامي نظاما متكاملا للحياة الإنسانية بصفة عامة في كل تصرفات الإنسان وسلوكه، فقد وضح المصالح التي عليه أن يسلكها والمفاسد التي عليه أن يتجنبها، وأظهر كل دقائق الحياة التربوية والاجتماعية للفرد والمجتمع، فالدين الإسلامي دين قيم وضوابط سلوكية مادية ومعنوية، وتعتبر القيم بجانبها الإيجابي والسلبي محددات لسلوك الأفراد والجماعات، وما أحوج النشئ في واقعنا المعاصر إلى التربية القيمية الإسلامية، من خلال المناهج والأنشطة داخل المدارس والجامعات، وما أحوج شباب المجتمعات الإسلامية في الحاضر إلى من يوجههم، ويرشدهم نحو الالتزام بالمبادئ والقيم عن طريق الأسرة، ثم يكون الدعم وتعهد الغرس بالعناية من خلال المؤسسات التربوية ووسائل الإعلام إذ إن تعزيز القيم يدخل ضمن الأهداف الأساسية للمؤسسات التربوية، فالمدارس لها دور فعال في الحفاظ على القيم، فلا تقتصر فقط على التوجيه والإرشاد والتعلم.
بل لا بد من تطبيق القيم التربوية داخل المؤسسات التربوية، وكذلك غرسها في نفوس النشئ حتى يتم الأخذ بها في الحياة العملية فيما بعد، فالقيم تزكي النفس وتهذبها، وتنظم حياة الطلاب، وتساعدهم على التوافق والتكيف مع المجتمع، وعدم المعرفة بالقيم يؤدي إلى التورط في أعمال تعود عليهم بالندم، ولذلك تركز المؤسسات التربوية على تزويد المتعلمين بالقيم، وهكذا تكون الوصية بضرورة إعادة النظر في اختيار القيم بما يتناسب مع خصائص المرحلة العمرية، وتحديات العصر وواقع المجتمع وتطوراته، وضرورة زيادة وعي المعلم بأهمية القيم بمختلف أبعادها وتصنيفها لتكون جزءا من مهامه أثناء التدريس يركز على غرسها في نفوس الناشئة، فتعد مرحلة البلوغ من أهم مراحل حياة الإنسان لأنها السن الذي يتحدد فيها مستقبله إلى حد كبير، وهي الفترة التي يمر فيها بكثير من الصعوبات، أو يعاني من الصراعات والقلق، ويمكن أن ينجرف الفرد في هذا السن.
إذا لم يجد من لا يأخذ بيده، ويعاونه في تخطي هذه العقبات، وعلى ذلك فإن الرعاية والاهتمام بالناشئ، من أوجب المطالب التربوية، حيث يشكل الانتقال من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة المتوسطة فترة حرجة يمكن استغلالها من قبل المربين لتهيئة الناشئة في مرحلة البلوغ اجتماعيا، كما تعتبر هذه المرحلة همزة وصل بين مرحلة البلوغ المبكرة والمتأخرة، علما بأنه لا يمكن وضع خط فاصل بين مراحل العمر المختلفة، إلا أن أبرز ما تمتاز به هذه المرحلة يتمثل في استيقاظ إحساس الفرد بذاته وكيانه، وفي ظهور القدرات الخاصة لديه، وأن الطفل الإيجابي هو الذي يمتلك توازنا داخليا وخارجيا، ولديه القدرة في التحكم بعواطفه ونوباته العصبية كالغضب والفرح، بالإضافة إلى أنه الطفل الذي يتمتع بالمرونة في التعامل والفكر السليم، وأن الأطفال في الأصل يتمتعون بصفة إيجابية منذ ولادتهم، وهذا ما أكده حديث النبي صلى الله عليه وسلم “كل مولود يولد على الفطرة”
ويجب على الأسرة أن تقود وتشجع الطفل على المبادرة الإيجابية، كما أن رد فعل الأسرة نفسها تجاه مواقف الطفل الإيجابية هي التي تجعله يستمر في هذا المسار الإيجابي طيلة حياته، وأيضا عدم إغفال دور المدرسة، ذلك المكون التربوي المهم الذي يعتبر شريكا للأسرة في هذا الأمر، وإن من المعروف أن كل شيء يعرف بضده، وعندما نتحدث عن بعض السلوكيات الأسرية الإيجابية التي تقوم بها الأسرة، فلا يمكن أن ننسى أن هناك أيضا سلوكيات سلبية من الممكن أن يقع فيها الأبوان، وخاصة أن الطفل يعايشهما طوال النهار ويرى هذه السلوكيات السلبية، وبالتالي تتكون لديه شخصية سلبية، إذن هناك أخطاء وسلوكيات تربوية يقع فيها الآباء تؤدي في النهاية إلى تكوين شخصية سلبية لدى الطفل، كالإهانة، وعدم احترام عقلية الطفل، والمزيد من التقييد والانتقاد اللاذع، وغيرها من السلوكيات السلبية التي تؤثر في نفسية الطفل.
وبالتالي لا بد أن نعلم أن تكوين الصفة الإيجابية لا يتحقق في الطفل إلا إذا كان لديه تقدير ذاتي مرتفع وإدراك لذاته بشكل كبير، وأيضا ارتفاع الثقة بالنفس، فإذا كان الآباء دائما يقومون بانتقاد هذا الطفل بسبب أو بدون سبب وإعطائه مزيدا من الإحباط وغيرها من الأشياء السلبية التي يترجمها الطفل في هيئة رسائل قصيرة سلبية كثيرة معناها أنت لا تصلح، أنت غير جيد، أنت طفل سيء، وهكذا، وعندما نتحدث عن العوامل التي تساعد في بناء شخصية إيجابية للطفل منذ الصغر لا نستطيع أن نغفل دور المدرسة، ذلك المكون التربوي المهم الذي يعتبر شريكا للأسرة في هذا الأمر، وهذا الأمر لا بد أن يُعنى به المجال التربوي، والذي يجب أن يكون له اهتمام خاص ورعاية خاصة، فالطالب في صغره بمجرد التحاقه بالمدرسة يقوم بقضاء معظم وقته بداخلها، فهو يجلس الوقت الطويل في المدرسة أكثر من أي مكان آخر.
إذن فالمدرسة هي المركز الأول لبرمجة هذا الطفل، فإذا كان هذا الطالب يتلقى في المدرسة برمجة إيجابية لا شك أن هذا سيؤثر على نفسيته وكيانه وشخصيته، وأما إذا كان يسمع الكلمات السلبية والنابية لا شك أن هذا سوف يحدث خدشا كبيرا في مجال هذه الشخصية، لذا فالمدرس لا يتنبه إلى أنه أحيانا يستخدم بعض الألفاظ الجارحة أو الكلمات التي تؤثر في نفسية هذا الطفل ولو على المدى البعيد، فمثلا الطالب عندما يسمع أنت غبي، أنت لا تفهم، أنت لا تستطيع، أو كلمة هذا مستحيل، هذه الكلمات ستشكل بُعدا خطيرا على نفسية هذا الطالب مستقبلا سوف يعتمد على الآخرين لذا حتى إذا رأينا من الطفل سلوكا خاطئا كأن يسرق مثلا شيئا من صديقه فمن الخطأ أن نقول له أنت سارق لأن العقل الواعي سيرفض هذه الكلمة، لكن العقل اللاواعي سيتقبل هذه الكلمة مع التكرار فيقنعه أنه سارق، وبالتالي سيؤدي في النهاية إلى ممارسه هذا الأمر.