بقلم / محمـــد الدكـــروري
لقد فرض الله عز وجل علي العباد الصدقة وإن هناك الصدقات الاختيارية، وقد حثنا الإسلام على الصدقات من أجل سد حاجة الفقراء والمساكين، وتدعيما لأواصر الأخوة بين المسلمين، وتحقيقا للمواساة وللتكافل بينهم في داخل المجتمع المسلم، ولقد اعتبر القرآن الكريم الصدقة قرضا لله تعالى مضمون الوفاء، وكذلك فإن الصدقات الواجبة، وإن من صور المواساة والتكافل في الإسلام أن الشريعة الإسلامية قد أمرت بأنواع من الصدقات الواجبة التي يجب على المسلم الذي تنطبق عليه شروطها إخراجها، من هذه الصدقات الواجبة، صدقة الفطر والكفارات، وهي عقوبات قدرها الشرع الشريف عند ارتكاب أمر فيه مخالفة لأوامر الله تعالى، ومن ذلك كفارة القتل الخطأ، وكفارة اليمين المنعقدة، وكفارة الظهار، وكفارة الأذى للمحرم بالعمرة أو الحج.
وكفارة من جامع زوجته قبل التحلل، وكفارة من أفسد صومه بالجماع في نهار رمضان عمدا، وكفارة من انصرف من عرفة قبل غروب الشمس، وكفارة من لم يبيت بمزدلفة، وكفارة المحصر إذا لم يشترط، وكفارة من ترك الميقات من غير إحرام، وكفارة صيد البر للمحرم، وكفارة لبس المخيط في الحج أو العمرة، وكفارة قطع شجر الحرم ونباته، وكفارة العاجز دائما عن صوم رمضان، وكفارة العجز عن الوفاء بالنذر، ومن الصدقات الواجبة أيضا هو الهدي بالنسبة للقارن والمتمتع بالحج والعمرة، ومنها أيضا النذور، وهناك صدقات واجبة غير ذلك، والهدف من هذا كله هو طاعة الله تعالى، والتوسعة على الفقراء والمحتاجين، وإن الله عز وجل يبتلى عباده تارة بالسراء والأمور المفرحة من أنواع النعم وصنوف المباهج وألوان الملذات، ويبتليهم تبارك وتعالى.
تارة بالمصائب والبلايا والرزايا والمحن، وكل ذلك ابتلاء، فالمنعم عليه بأنواع النعم مُبتلى، والمصاب بأنواع المصائب مبتلى والمؤمن في نوعي الابتلاء صائر إلى خير ومُقدم إلى خير، وهاهنا يعجب نبينا صلوات الله وسلامه عليه كما جاء في حديث صهيب بن سنان، وهو في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ” عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله خير، إن أصابته سراء شكر فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له، ولا يكون ذلك لأحد إلا للمؤمن ” نعم لا يكون ذلك لأحد إلا للمؤمن لأن المؤمن إذا أصابه الله تبارك وتعالى بسراء أي بأمر يسره ويفرحه ويسعده، يعلم أن ذلك نعمة من الله وفضل ومنة فيشكر الله تبارك وتعالى ويحمده سبحانه فيفوز في هذا المقام بأجر الشاكرين الحامدين، وإذا ابتلي المؤمن في هذه الحياة بضراء أي بأمر أضر به وأرقه.
وأحزنه وأقلقه وآلمه فإنه يعلم أن ما أصابه فإنما هو بإذن الله، وأن ما أصابه لم يكن ليخطئه فيعلم أن ما أصابه من عند الله فيرضى ويسلم ويصبر، فيفوز هنا بأجر الصابرين، فالمؤمن في سرائه وضرائه فائز أما في سرائه فهو فائز بثواب الشاكرين وأما في ضرائه فهو فائز بثواب الصابرين، أما من لم يكن على الإيمان السديد والطاعة للرب الحميد سبحانه فإنه في سرائة لا يعرف نعمة الله عليه، بل يجحدها، كما قال الله عز وجل عن أمثال هؤلاء فى سورة النحل ” يعرفون نعمت الله ثم ينكرونها” فإذا أغدق الله عليه العطايا ووالى عليه المنن والهبات قال جاحدا لنعمة ربه كما جاء فى سورة القصص ” إنما أوتيته على علم عندى” أو قال إنما ورثته كابرا عن كابر، أو قال إنما حصلت عليه بعرق جبيني وجدارتى وحذقي ومهارتي.
ونحو ذلك من الألفاظ التي تدل على رقة الدين وضعف الإيمان، ثم إن الله تعالى إذا ابتلاه بأنواع من المصائب والرزايا تسخط وجزع وشكا الله تبارك وتعالى إلى عباده فيكون خاسرا في حالتيه الاثنتين، في ابتلائه بالسراء وابتلائه بالضراء، ولهذا علينا أن نحقق ما يكون به فوزنا في سرائنا وضرائنا، ففي السراء نكون شاكرين وفي الضراء نكون صابرين فننال الخير كله ونفوز بسعادة الدنيا والآخرة، وإن الله عز وجل يبتلى عباده بالسراء ليميز الشاكر من الكافر، فإنه تبارك وتعالى يبتلى عباده كذلك بالضراء ليميز الجازع من الصابر ولهذا يقول الله تبارك وتعالى فى سورة البقرة ” ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونفص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون، أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة وأولئك هم المهتدون”