السيناريو الأسوأ لبوتين في إستخدام السلاح النووي

د. محمود محمد علي

في اليومين الماضيين قد وقع الرئيس الروسى فلاديمير بوتين على العقيدة المنقحة، التي تنص على أن أي هجوم جوي ضخم على روسيا يمكن أن يؤدي إلى رد فعل نووي، استعداد الرئيس الروسي للتهديد باستخدام الترسانة النووية الروسية لإجبار القوى الغربية على التراجع، في الوقت الذي تواصل فيه موسكو هجومها العسكري المتباطئ على الأراضي الأوكرانية.
ومع هذه التطورات، يعود مصطلح “العقيدة النووية” إلى الواجهة من جديد بعد أن وافق الرئيس بوتين على تحديثها من جديد، بعد موافقته على الأسس المرفقة لسياسة الدولة الروسية في مجال الردع النووي، والتي نصت على أن سياسة الدولة في مجال الردع النووي هي دفاعية بطبيعتها، وتهدف إلى الحفاظ على إمكانات القوات النووية عند مستوى كاف لضمان الردع النووي.

وبحسب مراقبين فإن الإجراء الذي اتخذه بوتين يأتي رداً على القرار الأميركي الذي يسمح لأوكرانيا بضرب العمق الروسي بصواريخ بعيدة المدى، لتحدد الصيغة المحدثة لتعديلات العقيدة النووية أساسيات سياسة روسيا المستقبلية في مجال الردع النووي.
والآن دعونا نفكر جديا في السيناريوهات الممكنة لاستخدام روسيا للسلام النووي ، وهنا سأتحدث بالتحديد عن ثلاث سيناريوهات محددة ، والفرق الحقيقي بينها وبين بعضها ، هو فرق في حجم الإجراء النووي والذي من الممكن أن تشنه روسيا وهذا فرق في التبعات المترتبة على هذا الإجراء ، وسأتحدث عن كل سيناريو على حدة ، وبعد ذلك أعقب عن تصوري فيما لو حدث ما النتائج في ذلك؟
السيناريو الأول : استخدام قنبلة تحذيرية ؛ وبعبارة أخرى أن تقوم روسيا بعمل تجربة نووية
السيناريو الأول : استخدام قنبلة تحذيرية ، وبعبارة أخرى وهو أن تقوم روسيا بتجربة نووية ، وهذا السيناريو قد يكون قريبا مادامت موسكو قد سحبت معاهدة تصديقها على معاهدة حظر التجارب ، وبالتالي من الممكن ان تقوم بعمل تجربة في أوكرانيا من هذا القبيل ، وروسيا أيضا من خلال هذا السيناريو أن تقوم بعمل تجربة نووية كنوع من الإنذار لأوكرانيا وللدول الداعمة لها ، وهذا الإجراء يظهر عزم موسكو وجديتها في هذا الموضوع ويستعرض قدراتها على نشر واستخدام هذا السلاح الخطير . وفي العموم الفعل أقوى من الكلام ، حيث إن إجراء تجربة نووية أخطر بكثير من مجرد التلويح والتهديد باستخدام أسلحة نووية ، وتصرف مثل هذا سيؤكد على البينات الصادقة والتي قال فيها بوتين بأن العملية الروسية في أوكرانيا تتحول واحدة واحدة إلى صراع بقاء بالنسبة لروسيا .
ولذلك تخيل عزيزي القارئ عن إجراء روسيا لتجربة نووية الآن ، فماذا سيكون واقع روسيا الآن كيف يكون ! .. بلا شك سيكون واقع مأهول ! .. لأن آخر تجربة نووية روسية قد أجريت في العهد السوفيتي وذلك في 24 أكتوبر عام 1994م ، وفي العموم وباستثناء كوريا الشمالية والتي لا تعد من دول هذا الكوكب ، حيث لا توجد دولة في العالم أجرت تجارب نووية من عام 1998 .

وروسيا الآن من الممكن أن تقوم بعمل تجربتها النووية في أوكرانيا بحيث لا يتسبب في وقوع إصابات وأن ينتج عنه الحد الأدنى من التداعيات الإشعاعية ، ولكن على أي حال ستكون هناك تبعات.
ونتيجة هذا السيناريو لن يغير من ميزان القوة في الحرب إلى أي جانب ، لأن أساسا القدرات النووية الروسية ، ومدى قدرتها وكفاءاتها معروفة مسبقا للغرب ، وكذلك ليس متوقعا بأن تجربة من هذا النوع يجعل أوكرانيا تستسلم ، لأن أوكرانيا تعلم جيدا أن الصراع بينها وبين روسيا صراع وجودي ، ولو خسرته فستنتهي أوكرانيا تماما كدولة ، وبالتالي لا تعبأ بالتجربة .
علاوة على أن روسيا لو فكرة في التجربة الآن فهذا لن يؤدي ذلك إلا لمزيد من التعاطف الغربي مع أوكرانيا .
وكما قلنا لو حدث السيناريو الأول فستكون نتيجته ألا تكون هناك تأثيرات بيئية تذكر ، ولكن قد تكون هناك تأثيرات سياسية ، والتأثيرات السياسية المزعجة لتجربة روسية تقع على عاتق العلاقات الروسية – الصينية ، حيث إن الصين منذ الصراع الروسي- الأكرواني ، وهي قد رسمت خط دقيق بين الحفاظ على العلاقات الشخصية القوية بين الزعيمين الصيني والروسي ، وبين الوقوع في عداء مباشر مع القوى الغربية ، والصين للآن تعلن عن تفهمها للأهداف الاستراتيجية الروسية الأوسع في أوكرانيا ، ولهذا تعلن عن تعاطفها في رفض روسيا للحصار الاستراتيجي والذي يفرضه الغرب من الجانب الأوربي .
إلا أنه في حالة لو فكرت روسيا في عمل تجربة نووية فأنها ستضع الصين في موقف صعب أن الصين قد أعلنت مؤخرا معارضة لجوء أي دولة للتهديد بالسلاح النووي آيا كان ، ومن ثم لو أقدمت روسيا على التجربة فإنها ستدين هذا التصرف الروسي ، وروسيا اليوم ليست في حاجة لأي هزة في العلاقات الصينية – الروسية الآن لن تكون في صالح روسيا إطلاقا .
السيناريو الثاني : هو استخدام سلاح نووي ميدانيا ، وميدانيا من الممكن جدا أن تستخدم الأسلحة النووية ضد أهداف عسكرية ، أو ضد البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا في محاولة لإضعاف إرادة الشعب الأوكراني والإضرار بقدراتهم العسكرية ، وفي هذه الحالة فإننا نتحدث عن ضرب قنبلة نووية تكتيكية ، والأسلحة النووية التكتيكية هي قنابل نووية تعمل بنفس النظري وتنتج كميات هائلة من الحرارة والضغط والطاقة والإشعاع ولكنها أصغر في القوة الانفجارية ، وتحقق التدمير الشامل ، ولكن على مساحات أصغر ، وهل ما يجعل استخدام تلك القنبلة ممكن ، وليست مثل الأسلحة النووية الكبيرة والتي من الممكن أن تبيد مدن بأكملها .
وروسيا تحوي في ترسانتها حوالي 2000 قنبلة نووية تكتيكية يمكن إطلاقها بالطائرات أو بالصواريخ ، أو السفن ، أو الغواصات ، وفي الأغلب لو هذا النوع من القنابل ظهر في ميدان القتال فإنه سيكون محمول في صاروخ قصير المدى من طراز اسكندر أم ويكون مضروب من بيلاروسيا أو روسيا نفسها . القوة النيرانية للقنابل التكتيكية تتراوح ما بين 1-50 كيلو طن ، أي من 1000 طن إلى 50000 ألف طن من مادة TMT شديدة الانفجار ، وهذا هو المعيار الذي تقاس به الشدة الانفجارية . وأكبر قنبلة تكتيكية عند الروس توازي القنبلة التي ألقيت على هيروشيما اليابانية في نهاية الحرب العالمية الثانية .
وهناك فرضية تعول على أن روسيا من الممكن أن تستهدف القوات الأوكرانية في لوهانسك بالقرب من خط روسيسكي للحفاظ على القوات الروسية من التراجع ، وذلك كما تراجعت خيرسون في الجنوب ، ولو فكرت روسيا في أن تضرب هذا الخط بالقنابل النووية التكتيكية فإنها ستضعف القوات الأوكرانية ، وستقيم منطقة عازلة غير مأهولة ، ستجعل الأوكرانيين يفكرون ألف مرة قبل أن يتقدموا سواء في الشتاء أو غيره .
هذا السيناريو هو الأقرب في حالة لو ظهرت القنابل النووية التكتيكية في الميدان ، ولا شك في أن النتائج ستكون في منتهى الخطورة ، وذلك على الأرجح ستجعل التحركات البرية شبه مستحيلة ، ولهذا فكرة شن الجيش الأوكراني لهجوم مضاد من خلال هذا السيناريو ستكون أفكار من وحي الخيال ، فغالبا الأوكرانيين سيكملون الحرب بهجمات جوية ويستهدفوا الطيران الروسي بأنظمة الدفاع الجوي .

وفيما يخص استهداف روسيا للبنية التحتية للطاقة فاعتقد أن القنابل التقليدية قد تكون أنسب في ضرب هذا النوع من الأهداف من القنابل التكتيكية ، وذلك لأن القنابل التكتيكية قوتها النارية أكبر مما يجب ، بينما القنابل التقليدية أنسب لضرب محطات الكهرباء والمياه وغيرها من الإنشاءات ، علاوة على أن التأثيرات البيئية لقنبلة تكتيكية صعب جدا حسابها وتعتمد على الشدة الإنفجارية للقنبلة المستخدمة وعلى ارتفاع التفجير وعلى الظروف الجوية وعلى تضاريس المنطقة .
السيناريو الثالث: خيار الرعب ، وهذا الخيال هو التصعيد النهائي ، وذلك من خلال استخدام الأسلحة النووية الاستراتيجية ضد أهداف مدنية أوكرانية ، أو ضد دول حليفة لأوكرانيا ، والأسلحة النووية الاستراتيجية تمثل شيء مختلف عن القنابل التكتيكية ، وذلك لكونها تمثل أقوى مئات المرات ، حتى إن طبيعة الاستهداف الخاص بها ستكون مختلفة تماما ، والهدف من القنابل الاستراتيجية بالنسبة لروسيا هو اضعاف عزيمة الغرب ، وهو يمثل ردع مباشر ، وهي تقصف منشآت عسكرية ، أو بنية تحتية لها علاقة بالمجهود الحربي الأوكراني مثل خطوط الإمداد أو مصانع السلاح ، سواء في أوكرانيا أو بولندا أو حتى تخزين مرافق السلاح الخاصة بحلف شمال الأطلسي في منطقة البلطيق ، وهذه قد يكون هدف روسيا ؛ أما قصف مدينة كبيرة مثال باريس أو لندن ، فهذه تمثل حرب خراب شامل على مستوى عالمي ، لأن رد الفعل الغربي سيكون أقوى ، وسيكون رد نووي شديد ، وروسيا ليست في خطر وجودي لكي تلجأ لهذا السيناريو مع الغرب للجوء إليه ، ولكن ربما يأتي وقت وبوتن نفسن يستشعر أن نظامه في خطر وجودي ، وبوتن يدرك جيدا أن خسارته للحرب في أوكرانيا قد تؤدي إلى خسارته للسلطة وربما تودي بحياته إذا تصاعدت الأمور ، واحتمال خسارة روسيا للحرب واردة وفي ذلك الأمر من الممكن ، وهنا سيعتبر بوتن السلاح النووي الاستراتيجي وسيلة للحفاظ على نفسه مهما كان الثمن .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.