بقلم / د. فرج أحمد فرج
باحث انثروبولوجيا
سلوى بكر
كاتية وروائية وناقدة مصرية قدمت من خلال أعمالها مزيجًا فريدًا بين الماضي والحاضر مستخلصةً أهم العِبر. ناشدت بالحرية الشخصية دون التفريق بين رجل أو امرأة.
صاحبة أفضل تجربة روائية في مصر والوطن العربي كافةً، استطاعت بأسلوبٍ غير مسبوق أن تمزج الأمور السياسية، والتاريخية، والاجتماعية. حازت الكثير من كتاباتها على الطابع التنويري في وسط مجتمع غلبت عليه الصورة المحافظة. واستطاعت سلوى بكر أن تنور المجتمع بأفكارها التي قدمتها بأسلوبٍ لم يتخطى ما فرضه هذا المجتمع.
في امسية ابداعات بنقابة الصحفين المصرية ادرا الحلقة النقاشية كل من الصحفيين عادل سعد ومحمد الشيخ عشنا ندوة سردية شفاهية غير مكتوبة مبدعة انسانية ، جلبتها من اعماق التاريخ ومنعطفاته في سرد شفاهي جذاب بيسر وسهولة وقالت لماذا نعيش في كل شيء بشكل تقليدي ولماذا لا تكون في شكل غير نمطي ” نجلس علي منصة وامامنا روادنا الحاضرين ولماذا لا تكون في شكل حلقة متجاورين فيها بشكل حميمي وتقارب اكثر .
اعادت فيه تذكرها طفولتها البريئة وعيونها الجرئية التي تشع ذكاءا ، كم عشنا المساواة في التعليم بزينا المعروف ذلك الوقت ” المريلة من تيل نادية ” وضفائرنا المربوطة بفيونكة من شريط علم مصر .. نجلس متجاورين ابناء الشعب بكل طوائفة ” ابناء الرئيس والوزير والموظف والغفير ” ننهل علم واحد من كتاب العربي وذكرت بعض العبارات ” فلفل نط عند البط ” والثعلب المكار والحلة فوق النار .. نردد جميعا خلف الابلة بحب وتواد من كتاب ممتع ومطبوع بالالوان من رسومات اشهر الفننانين .
وبكل سلاسة وعفوية تستجلب من الذاكرة عبارات شفهية لا مكتوبة ، ولان ان الجهد المطلوب للتحقق من صدقية كلام مكتوب اقل بكثير من الجهد المطلوب للتحقق من القول الشفاهي وتنتقل من مصطلحات عديدة عبرت عنها ببساطة عن المألوغ والغريب والثقافة والحضارة والقيم وقيمة الاشياء والهوية وتمنت الاهتمام بعلوم الانثروبولوجيا في الجامعات المصرية العريقة والحديثة .
وتعرضت بطريقة مبسطة للتغير الاجتماعي والثقافي من خلال الاعمال التي كلفت بها وقالت مع تكرار للاشياء قد تصاب بالملل والتأفف حتي ولو كانت مغناة _ يازهرة في خيالي .. رعيتها بفؤادي
فالهدف امامها والغاية الوصول للكمال وان تكون في مصاف المبدعين المتنورين والخالدين .. حققت الرواية ضالتها في التعبير عن المساواة والحرية .
والدعوة لاطلاق الاختيار وخاصة بين ابناء اسرتها التي تلقت منهم شحنات الحنان ، وعن مكنوناتها خلف شخصيات روايتها مثل ” كوكو سودان كباشي” ” وليل ونهار” ” وزينات في جنازة الرئيس” ” وعجين الفلاحة ” وايقاعلت متعاكسة ” وعن الروح التي سرقت تدريجيا” ” ووصف البلب ” وغيرها استحسنتها من الكتاب التي تأثرت به وعند السؤال عنه صرحت ” كليلة ودمنه ” .
الانثي عندها لها توصيف طبيعي يرصد تفرغ في الاعمال الروحية المتوارثة مع حواء ، تهب من عواصف قديمة او مبالغة بتراب الحاضر والواقع .
شهدت الكثير من الأحداث التاريخية التي مرّت بها مصر وقد انعكس ذلك بشكلٍ كبيرٍ في أعمالها. وقد صرّحت أنها من أنصار الحركية اليسارية وبشكلٍ خاص خلال عهد السادات. أرادت من خلال رسالتها أن تسلط الضوء على الإنسان، بغض النظر عن جميع الفروقات التي تفرق بين الآخرين.
أبدت اهتمامها بشكلٍ صريح بالرواية والتأليف بعد الفترة التي استلم فيها السادات الحكم، وبعد أن صرّحت عن انتمائها للحركة اليسارية. وقد اختارت هذا المجال لأن السياسة لم تعد تلبي ما تريد أن توصله لهذا العالم.
بعد أن أنهت دراستها توجهت لمجال نقد الأفلام والمسلسلات قبل منتصف الثمانينات، في عدد من المجلات والصحف العربية المختلفة. حتّى أنها مارست القليل من هذه المهنة خلال تواجدها مع زوجها في قبرص، ولكنها عادت إلى مصر لتنطلق في المسيرة الأدبية التي كانت بانتظارها. وعلى وجه التحديد بدأت سلوى إنتاجها الأدبي في العام 1979
انضمت سلوى خلال دراستها الجامعية إلى عدد من الحركات الطلابية، وعلى إثر ذلك شاركت في إضراب العمال الذي حصل عام 1989. وكحال الكثيرين اعتقلتها السلطات المصرية حينها وسجنت في سجن القناطر. وقد كانت هذه الحادثة هي التي ألهمتها على كتابة روايتها الشهيرة “العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء”.
عملت سلوى في مجال التموين كمفتشة بين عامي 1974-1980. كما أنها تعمل كأستاز في الجامعة الأمريكية منذ عام 2001.
حازت على جائزة “دويتشه فيله” مقدمة من الإذاعة الدولية الألمانية عام 1993.
كان أول إنجازٍ أدبي لها هو مجموعة من القصص حملت اسم “حكاية بسيطة” عام 1979، وقد نشرتها سلوى بنفقتها الخاصة. ولاقت هذه المجموعة نجاحًا كبيرًا، وذلك نظرًا لتوجهها الشامل الذي تخطى كافة الألوان، والأديان، والأعراق.
وكان النجاح الأبرز لها في مطلع التسعينات بعام 1991 بعد أن نشرت روايتها الأولى “العربة الذهبية لا تصعد إلى السماء”. وقد طالت هذه الرواية العالمية عبر ترجمتها إلى أكثر من 17 لغة عالمية. منها الإنجليزية، والإسبانية، والألمانية، والتركية، والكورية والعديد غيرها.
واقتصرت فترة التسعينات على مجموعاتٍ قصصية لاقت نجاحًا كبيرًا وإعجابًا أكبر من الجمهور الذي لم يتوقع قط القليل من سلوى. ففي عام 1992 نشرت مجموعة “عجين الفلاحة” القصصية، ونشرت في العام نفسه مجموعة “كيد الرجال”.
وفي العام الذي تلاه نشرت مجموعة “وصف البلبل”. أما مجموعة “أرانب” فقد كانت من نصيب عام 1994، وجميعها كان صادرًا عن دار “سينا للنشر”. وفي العام 1996 طرح درا النديم مجموعتها القصصية “إيقاعات متعاكسة”.
وكان العام 1998 عامًا فاصلًا في حياة سلوى؛ ففي هذا العام نشرت رواية “البشموري” والتي طرحت فيها موضوعًا لم يتجرأ أحد من قبل أن يقدمه. فقد تناولت فترة الخلافة الإسلامية في البلدان التي تعرضت للغزو ومن ضمنها مصر، إلا أنه كان نموذجًا لعسف التيارات الدينية الإسلامية. فقد كانت الرواية صدمة للمسلمين والأقباط في مصر، بعد أن سلطت الضوء على الأخيرين دون حسابات.
لا شك في أن غواية الأدب– أو نداهته بتعبير يوسف إدريس– هي التي جعلت الكاتبة سلوى بكر تتجه إلى دراسة النقد المسرحي على نحو أكاديمي بعد تخرجها في كلية التجارة، مما وسم إنتاجها الإبداعي بالتنوع والعمق، فأصدرت مسرحية “حلم السنين”، والعديد من المجموعات القصصية مثل “حكاية بسيطة”، و”زينات في جنازة الرئيس”، و”عجين الفلاحة”، و”وصف البلبل”، و”إيقاعات متعاكسة”، و”نونة الشعنونة”، و”شعور الأسلاف”، و”من خبر الهناء والشفاء”، و”وردة أصبهان”، و”مسرح زوبة”، لكن شهرتها كروائية كانت الأكثر حضوراً، بفضل عودتها إلى التاريخ البعيد والقريب انطلاقاً من هموم الواقع. ومن رواياتها: “البشموري”، و”كوكو سودان كباشي”، و”أدمانتتيوس الألماسي”، و”الصفصاف والآس”، و”شوق المستهام”، و”فيلة سوداء بأحذية بيضاء”. وحصلت سلوى بكر على جائزة الدولة التقديرية من المجلس الأعلى المصري للثقافة عن مجمل إنتاجها الأدبي.
وانطلقت لفكرة الوعي الجمعي _قالت انها القشرة الرقيقة التي تمزج بعض الاقاويل والخرافات ويتجسد ذلك في ضريح ما يتسرسب منه مسارب التأويل لظواهر الحياة كما في ” مقام عطية ” .
وقالت يجب أن نعترف أن لدينا قحطاً معرفياً عاماً، وقحطاً يتعلق بالمعرفة التاريخية بوجه خاص. و”البشموري” رواية تتناول كيفية تشكل الهوية المصرية، فكان تحميلها بهذا القدر من الجوانب المعرفية في مجالات شتى، مسألة مركزية في النص. فمثلاً عندما يتناول النص فقرة تتعلق بأسماء الطيور والأسماك، فالمستهدف هو تبيان أن هذه الأسماء قد يكون أصلها فارسياً أو سريانياً أو يونانياً، أو مصرياً قديماً. فهذه المعرفة مهمة وليست مجانية، ولا تثقل النص إنما توجه المتلقي إلى كيفية تشكل بعض ملامح الشخصية المصرية”.
وفي رواية ” فيلة سوداء باحذية بيضاء ” تعد هذه الفترة من أهم الفترات التي احتلت مساحة كبيرة في الأدب الذي رفض كل ما ترتب عليها اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً، كما نجد في أعمال صنع الله إبراهيم ورضوى عاشور وإبراهيم عبد المجيد وغيرهم، لكن الجديد في روايتي يتمثل في أنها ترصد التحولات القيمية على وجه التحديد من خلال رسم شخصية كانت تتبنى شعارات اليسار من جنوح نحو الحرية والعدالة والمواطنة، والسعي إلى مستقبل أكثر إشراقاً، لكنها تفاجأ بسقوط كل تلك الشعارات في مرحلة السبعينيات. عفت زين– بطلة الرواية– شابة تشبه ملايين الشابات وقد آمنت بكل هذه الأفكار وراهنت عليها وظنت أن انعتاقها سيتم تحت مظلتها. ومع ارتباطها بحسام تكتشف تحوله إلى الذهنية الماضوية التي ترى في النساء مجرد فيلة سوداء بأحذية بيضاء”.
وعن شيوع المظاهر الشكلية للدين وضرورة تفسير الآيات القرآنية المقررة على التلاميذ بدلاً من حفظها من دون فهم، والتي أقامت الدنيا ولم تقعدها، “حديثي كان عن التعليم عموماً وعن مشكلاته في مصر وتدهور مستواه وتدني لغة الحوار، وغياب الوعي النقدي وغياب تفهم الحدود بين الفرد والآخر. كان هدفي هو تخليص التعليم والرؤية الدينية من كل هذا والاقتراب من جوهر القيم المعاصرة”.
ومن خلال سردها بصبح السرد مفسه اجماع اصوات تدلي بشهادات حول المقامات والكرامات ، وتعتبر القصص القصيرة ، ذلك الصوت الجميل الذي يأتي من داخلها وعن الروح التي سرقت تدريجيا تنتظر الشمس الغنية بحكي محنة المراة حين تصبح مجرد الرغبة في التعبير بالفناء مرضا نفسيا وفي التعرض للزمن تحت الشمس بالعشب المتمثل بالامل او بأنسحاقها تحت وطأة الاغتراب الروحي والاستلاب الشعوري للجماليات والدهشة وضمور التخيل والخلق .. نتيجة لقسوة الحياة وتحولاتها .
فرج احمد فرج
باحث انثروبولوجياش