الراحمون يرحمهم الرحمن


بقلم / محمـــد الدكـــروري

إن ربكم الله الذي لا إله إلا هو وسع كل شيء رحمة وعلما، وأخبركم جل وعلا بسعة رحمته لتتعرضوا لتلك الرحمة بأخذ أسبابها، فرحمة الله وسعت كل شيء لا يحيط بها عقل ولا يحصرها عد ولا يبلغها فكر فهو جل وعلا ذو الرحمة الواسعة، والله أرحم بعباده فهو جل في علاه أرحم بنا من أنفسنا وأرحم بنا من والدينا، وإن رحمة الله تصيب كل خلقه، فقد وسعت جميع الخلق، إلا أن نصيبهم من الرحمة متفاوت، فكلما زادت أسباب الرحمة فيك كان نصيبك منها أعلى ولذلك نبه الله تعالى في كتابه إلى السبيل والطريق الذي تنال به رحمته جل في علاه، الذي تدرك به هذه الرحمة التي يدرك بها الإنسان سعادة الدنيا وفوز الآخرة، فالجنة هي رحمته جل في علاه، وإذا فتح الله على العبد أبواب الرحمة ناله كل خير، وأدرك به كل بر، فتعرضوا لرحمة الله جل وعلا، وسلوه من فضله، وخذوا بأسباب الفوز برحمته جل فى علاه.

فقد بيّنها لكم في كتابه، وبيّنها لكم رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم في سنته، بقدر ما يكون معك من أسباب الرحمة يكون نصيبك من رحمة الله، فالناس بين مستقل ومستكثر، ورحمة الله تنال بطاعته وطاعة رسوله، فجدوا في طاعة الله وطاعة رسوله، طاعة الله أن تفعل ما أمرك به، وأن تترك ما نهاك عنه، كذاك طاعة رسوله أن تفعل ما أمرك به صلى الله عليه وسلم، وتترك ما نهاك عنه صلى الله عليه وسلم، عند ذلك أبشر قال الله تعالى ” وأطيعوا الله والرسول لعلكم تفلحون” وتنال رحمة الله عز وجل بتقواه كما ذكر جل في علاه فقال ” ولتتقوا والعلكم ترحمون” وتنال رحمة الله عز وجل باتباع ما جاء به صلى الله عليه وسلم من الهدى ودين الحق، فاتبعوا رسوله تنالوا رحمة ربكم جل في علاه، ورحمة الله تنال بالصلاة والزكاة وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، فلله كم من الرحمات التي تنزل على المصلين وهم بين يدي ربهم يتلون كتابه ويركعون له.

يسجدون له ويسبحونه بأقوالهم وقلوبهم وأعمالهم، فلله كم من الرحمات التي تتنزل عليهم، ويا له من حرمان يناله أولئك الذين تخلفوا عن هذا المكان العظيم الذي به تتنزل الرحمات، فاتقوا الله واجتهدوا في نيل رحمته، وإن من أعظم أسباب رحمته أن تكثروا من الاستغفار، والتوبة والرجوع إلى الله عز وجل، وابذلوا الأسباب التي تدركون بها رحمة العزيز الغفار، الرحيم الرحمن جل في علاه، فرحمته سبحانه وبحمده ما أقرب حصولها لمن صدق في طلبها، والله لا يخلف الميعاد، فإذا وعد أوفى وإذا قال صدق، ومن أصدق من الله قيلا، فخذوا أسباب الرحمة تنالوها في أنفسكم وفي أهليكم وفي أموالكم وفي شأنكم كله في دنياكم، ثم تفوزون برحمة عظيمة في أخراكم في الجنة التي أعدها الله لعباده الصالحين، وفيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ومن أعظم أسباب الرحمة هو الإحسان، فقال تعالى.

” واحسنوا إن الله يحب المحسنين” فأحسنوا بالمعنى العام الشامل لكل صور الإحسان، ليس فقط ببذل المال، أحسنوا في عبادة الله عز وجل بأن تعبدوه جل في علاه كأنكم ترونه، فإن لم ترونه فإنه يراكم، فالإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك، وأحسنوا بإقامة شرعه جل وعلا في أنفسكم، بحفظ أنفسكم من كل سيئة والمبادرة إلى كل طاعة، فإن ذلك مما يعرضكم لرحمته ويفتح لكم خزائن الرحمة، والله جل في علاه لا مانع لما أعطى، ولا معطي لما منع، تعرض لرحمة الله، فقد قال ربك سبحانه وتعالى ” إن رحمة الله قريب من المحسنين” فإذا أردت الرحمة فكن من هؤلاء، فقال تعالى ” إن رحمة الله قريب من المحسنين” والمحسنون في عبادة الله، المحسنون مع الخلق بكل أوجه الإحسان قولا وعملا وبذلا وسائر أوجه الإحسان حتى الإحسان إلى البهائم، فقد دخلت امرأة الجنة في كلب سقته عطشان.

ودخلت امرأة النار في هرة حبستها فلم تطعمها ولم تذرها تأكل من خشاش الأرض، فاعمروا قلوبكم بالرحمة للخلق، فإذا أردت رحمة الله فارحم الخلق، الراحمون يرحمهم الله، وليست الرحمة بعيدة على من أخذ الأسباب، بل لا تنزع الرحمة إلا من شقي، ومن لا يرحم لا يرحم، فارحموا الخلق وارحموا كل من تدرككم الرحمة في شأنهم، واحتسبوا الأجر عند الله، لا تنتظروا جزاء ولا شكورا ولا عوضا ولا مقابلة، عاملوا الله في الخلق تنجوا من كل ضائقة تكدركم في معاملتهم، وسلوا الله من رحمته صادقين فالله كريم منان لا يرد من سأله صادقا، فما من عبد يرفع يديه لربه ويرجع خالي اليدين، بل لا بد أن ينال من عطائه ما يشرح صدره ويقيه شر ما يخاف، وقد قال “إن الله حيي كريم يستحي من عبده إذا رفع يديه أن يردّهما صفرا” يعني خاليتين، ومن أجل فإن المؤمن قوي الإيمان يتميّز بقلب حي مرهف لين رحيم، يرق للضعيف، ويألم للحزين.

ويحن على المسكين، ويمد يده إلى الملهوف، وينفر من الإيذاء، ويكره الجريمة، فهو مصدر خير وبر وسلام لما حوله ومن حوله، وإذا كان الأمر كذلك فإن من أولى الناس وأحقهم بالرحمة وأمنهم بها وأولاهم بها الوالدين، فببرهما تستجلب الرحمة، وبالإحسان إليهما تكون السعادة، ثم من بعد ذلك الأولاد فلذات الأكباد.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.