بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله حمدا كثيرا كما أمر، والصلاة والسلام على محمد سيد البشر، الشفيع المشفع فى المحشر، صلى الله وسلم وبارك عليه ما اتصلت عين بنظر او سمعت اذن بخبر، فقد قال تعالى ولم يزل قائلا عليما وآمرا حكيما تشريفا لقدر المصطفى صلى الله عليه وسلم وتعظيما ” إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلم تسليما” فاللهم صلي وسلم وبارك على نبينا وحبيبنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين وبعد لقد وضح لنا القرآن الكريم اضطلاع نبى الله يوسف عليه السلام بدوره الإداري المالي الفعال في إدارة أموال الدولة وهذا ما أهله لوزارة التخطيط المالي والإداري في مصر، فقال تعالى ” قال اجعلنى على خزائن الأرض إنى حفيظ عليم” فانظر كيف أنقذ الله تعالى على يديه عليه السلام مصر وما حولها من أزمة غذائية طاحنة.
فقد ألهمه الله فخطط لها أحسن التخطيط لمدة خمسة عشر عاما، أقام فيها اقتصاد مصر، حتى نجت من المجاعة، وخرجت من الأزمة معافاة، بل كان لها فضل على ما حولها من البلدان، التي لجأ إليها أهلها يلتمسوا عندها الميرة والمئونة، كما يبدو ذلك في قصة إخوة يوسف الذين ترددوا على مصر مرة بعد مرة، فكان هذا التخطيط مما علمه الله ليوسف عليه السلام ومما أكرم الله به أهل مصر، وكان نبى الله يوسف عليه السلام هو الذي رسم معالم التخطيط، وهو الذي قام بالتنفيذ، وهو لدى الدولة مكين أمين، وعلى خزانتها وأمورها حفيظ عليم، وهاك مثال آخر للتخطيط في القرآن الكريم في مجال الدعوة إلي الله، حيث يأمر الله سبحانه وتعالى رسوله صلى الله عليه وسلم بأن يبدأ في تبليغ الرسالة بأقربائه وأبناء عشيرته لأنهم الأقرب إليه، والأولى بتصديقه.
وذلك ليكون بهم قوة يعتمد عليها بعد الله عز وجل في دخول الناس في الدعوة الإسلامية، فقال تعالى “وأنذر عشيرتك الأقربين، واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين” ثم أمره سبحانه وتعالى بالجهر بالدعوة، حيث أصبح للإسلام والمسلمين قوة وشوكة وعشيرة، فقال تعالى “فاصدع بما تؤمر وأعرض عن المشركين” وقد ورد فى القرآن الكريم في مجال التخطيط للحرب العسكري لوضع مواجهات للتحديات المستقبلية، والاستعداد له من تجهيز للجيوش وغيره للقتال في سبيل الله، ومن صور التخطيط للحرب والثبات وعدم التراجع في ميدان القتال قوله تعالى “يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم فئة فاثبتوا واذكروا الله كثيرا لعلكم تفلحون” وكما ورد في القرآن الكريم طريقة التخطيط للحرب في حالة إقامة الصلاة حيث أراد الكفار في إحدى الغزوات أن يميلوا على الرسول صلى الله عليه وسلم ميلة واحدة.
أثناء تأدية الصلاة، فأوضح سبحانه وتعالى كيفية الصلاة أثناء الحرب، والقرآن الكريم حافل بعديد من الأمثلة للتخطيط في جميع المجالات الاقتصادية والاجتماعية والدعوية وغيرها ولقد حفلت السنة النبوية المشرفة بعديد من الأمثلة العملية للتخطيط، ولا سيما التخطيط في الغزوات، فكان رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم قدوة حسنة لنا في مجال التخطيط، حيث كان صلى الله عليه وسلم يمتلك الحكمة والفطنة والمنهج الفكري العقائدي المتمثل في الإيمان بالقدر، والتوكل على الله والسعي لتحقيق الهدف الشرعي، فقد استطاع صلى الله عليه وسلم أن يقود به الأمة الإسلامية ويحقق الانتصارات العظيمة بفضل الله ثم بفضل فطنته الإيمانية، وسيرته العطرة سجل خالد لمن أرد النجاح في الحياة، فكان صلى الله عليه وسلم متوكلا على ربه واثقا بنصره.
يعلم أن الله كافيه وحسبه، ومع هذا كله لم يكن صلى الله عليه وسلم بالمتهاون المتواكل الذي يأتي الأمور على غير وجهها، بل إنه أعد خطة محكمة ثم قام بتنفيذها بكل سرية وإتقان، ففي حدث الهجرة خطط النبي صلى الله عليه وسلم خطة متينة محكمة، فكان الإمام على رضى الله عنه على فراشه صلى الله عليه وسلم مغطيا رأسه، وبات المشركون ينظرون من شق الباب، يتهافتون أيهم يضرب صاحب الفراش بسيفه، وعبدالله بن أبي بكر كان يصبح مع قريش فيسمع أخبارها ومكائدها فإذا اختلط الظلام تسلل إلى الغار، وأخبر النبي صلى الله عليه وسلم الخبر فإذا جاء السحر رجع مصبحا بمكة، وكانت السيدة عائشة وأسماء رضى الله عنهما يصنعان لهما الطعام ثم تنطلق أسماء بالسفرة إلى الغار.
ولما نسيت أن تربط السفرة شقت نطاقها فربطت به السفرة وانتطقت بالآخر فسميت بذات النطاقين، وكان لأبي بكر راعى اسمه عامر بن فهيرة ، كان يرعى الغنم حتى يأتيهما في الغار فيشربان من اللبن، فإذا كان آخر الليل مر بالغنم على طريق عبدالله بن أبي بكر عندما يعود إلى مكة ليخفي أثر أقدامه، واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجلا كافرا اسمه عبدالله بن أريقط وكان هاديا خريتا ماهرا بالطريق وواعده في غار ثور بعد ثلاث ليال.