بقلم / محمـــد الدكـــروري
الحمد لله رب العالمين اللهم لك الحمد على نعمة الإسلام والايمان ولك الحمد أن جعلتنا من أمة محمد عليه الصلاة والسلام وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمدا عبده ورسوله اللهم صل وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ثم أما بعد إن قدرة الله ومضة أمل في القلب كما إن قدرة الله تعالى الظاهرة في كل أنحاء الكون تعطي الإنسان اليائس أملا بتغيير حاله، فالقادر على خلق كل الكائنات بتفاصيلها وتعقيداتها وجمالها، قادر أن يغير حال الإنسان إلى الأفضل، فمن غير الله يمكن أن يشفي المريض من مرض عجز عنه الطبيب، ومن غيره يهب الإنسان المال والذرية، ومن غيره يعطي الإنسان النجاح، ومن غيره يمكن أن ييسر الزواج لمتعسر، إنه الله سبحانه القادر على كل شيء، ولقد شدد الإسلام في تحريم الرشوة حتى جعل المتورط فيها سواء كان آخذا.
أو معطيا، أو واسطة بينهما ملعونا، مطرودا من رحمة الله عز وجل، فقال النبى الكريم صلى الله عليه وسلم “لعنة الله على الراشى والمرتشى” رواه ابن ماجة، فكيف يرضى المسلم لنفسه أن يكون ملعونا في الدنيا وفي الآخرة، وكيف يرضى لنفسه أن يطعم أهله وأبناءه المال الحرام، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول”إنه لا يربو لحم نبت من سحت إلا كانت النار أولى به” رواه الترمذى، وأيضا فإن هناك آفة أخرى من أفات أكل الحرام، والاعتداء على أموال الناس بالباطل، وهى آفة قضت مضاجع الغيورين على طهارة أوطانهم، وعلى سلامة مجتمعاتهم، إنها آفة تشجع على نشر العداوات، وتزرع الأحقاد والنزاعات، إنها آفة السرقة التي صارت مصدرا للتأكل عند كثير من أصحاب الضمائر الفاسدة، من الفقراء والأغنياء على حد سواء، فاستمرأوا أكل الحرام.
واسترخصوا الاعتداء على أموال الناس، ولم يبالوا بصرخات المعتدى عليهم، ولا أنات المسروقين، ولا ما يجأرون به إلى الله عز وجل من الدعاء عليهم، فإنها السرقة التي تعمي وتصم، وتجعل النفوس مريضة بحب البطش والتسلط والاعتداء، فقال ابن القيم رحمه الله ” فالنفس الشريفة العلية لا ترضى بالظلم ولا بالفواحش، ولا بالسرقه والخيانه، لأنها أكبر من ذلك وأجل، والنفس المهينة الحقيرة والخسيسة بالضد من ذلك، فكل نفس تميل إلى ما يناسبها ويشاكلها” فالسارق نفسه مهينة وضيعة مهزوزة، لا تأخذه بالمسروق رأفة ولا رحمة، بل هو ذئب لا يهمه غير نهش فريسته، ولو كانت أمّه أو أباه، ولذلك كانت العقوبة في شرع الله شديدة، وهي قطع اليد السارقة، استئصالا لهذا الداء من جذوره، ومنعا للسارق من العودة، فهل سمعتم بالرمال تسرق من الشواطئ،
وتباع للاستعمال في البناء؟ وهل سمعتم بسرقة الختم والمادة السرية، التي يطبع بها على اللحوم لبيان صلاحيتها للاستهلاك؟ وهل سمعتم بوجود عصابات متخصصة في سرقة حجاج بيت الله الحرام؟ وهل سمعتم بالذين يسرقون أراضي الغير بالاستيلاء عليها بدون وجه حق؟ والنبى الكريم صلى الله عليه وسلم يقول”أيما رجل ظلم شبرا من الأرض، كلفه الله عز وجل أن يحفره حتى يبلغ به سبع أرضين، ثم يطوقه يوم القيامة، حتى يقضى بين الناس” صحيح الجامع، ويقول صلى الله عليه وسلم “أعظم الغلول عند الله عز وجل ذراع من الأرض، تجدون الرجلين جارين في الأرض أو في الدار، فيقتطع أحدهما من حظ صاحبه ذراعا، إذا اقتطعه طوقه من سبع أرضين” فإن السرقة جريمة مستقبحة مسترذلة، مستبشعة، وقد كثرت النصوص من كتاب الله تعالى.
وحديث رسوله صلى الله عليه وسلم في تحريمها وذمها، فقال الله تعالى ” والسارق والسارقه فاقطعوا أيديهما جزاء بما كسبا نكالا من الله والله عزيز حكيم” وقال ابن عطية “وهذا أى يقصد السارق، هو الذي يجب عليه القطع وحده من بين أَخذة الأموال، لخبث هذا المنزع، وقلة العذر فيه” ولقد سرقت امرأة مخزومية على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأرسلوا أسامة بن زيد شفيعا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ليعفو عنها لشرفها ومكانتها، فغضب النبي صلى الله عليه وسلم وقال “أتشفع في حد من حدود الله؟” ثم قام خطيبا وقال “يا أيها الناس، إنما هلك الذين من قبلكم، أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه، وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد، وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها” رواه البخارى ومسلم.