الدكروري يكتب عن وفاة هانئ بن مسعود الشيباني


بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ذكرت المصادر التاريخية أنه لما مات هانئ بن مسعود الشيباني قائد العرب في موقعة ذي قار، قد استعمل كسرى إياس بن قبيصة الطائي على الحيرة وما كان عليه النعمان، وكان كسرى اجتاز به لماء سار إلى ملك الروم فأهدى له هدية، فشكر ذلك له وأرسل إليه، فبعث كسرى بأن يجمع ما خلفه النعمان ويرسله إليه، فبعث إياس إلى هانئ بن مسعود الشيباني يأمره بإرساله ما استودعه النعمان، فأبى هانئ أن يسلم ما عنده، فلما أبى هانئ غضب كسرى، وعنده النعمان بن زرعة التغلبي، وهو يحب هلاك بكر بن وائل، فقال لكسرى أمهلهم حتى يقيظوا ويتساقطوا على ذي قار تساقط الفراش في النار فتأخذهم كيف شئت فصبر كسرى حتى جاؤوا حنو ذي قار، فأرسل إليهم كسرى النعمان بن زرعة يخيرهم واحدة من ثلاث.

إما أن يعطوا بأيديهم، وإما أن يتركوا ديارهم، وإما أن يحاربوا، فولوا أمرهم حنظلة بن ثعلبة العجلي، فاشار بالحرب، فآذنوا الملك بالحرب، فأرسل كسرى إياس بن قبيصة الطائي أمير الجيش ومعه مرازبة الفرس والهامرز النسوي وغيره من العرب تغلب وإياد وقيس بن مسعود بن قيس بن ذي الجدين، وكان على طف سفوان، فأرسل الفيول، وكان قد بعث النبي، صلى الله عليه وسلم، فقسم هانئ ابن مسعود دروع النعمان وسلاحه، فلما دنت الفرس من بني شيبان قال هانئ بن مسعود يا معشر بكر، إنه لا طاقة لكم في قتال كسرى فاركنوا إلى الفلاة، فسارع الناس إلى ذلك، فوثب حنظلة بن ثعلبة العجلي وقال يا هانئ أردت نجاءنا فألقيتنا في الهلكة، ورد الناس وقطع وضن الهوادج، وهي الحزم للرحال.

فسمي مقطع الوضن، وضرب على نفسه قبة، وأقسم أن لا يفر حتى تقر القبة، فرجع الناس واستقوا ماء لنصف شهر، فأتتهم العجم فقاتلتهم بالحنو، فانهزمت العجم خوفا من العطش إلى الجبابات، فتبعتهم بكر وعجل وأبلت يومئذ بلاء حسنا، واضطمت عليهم جنود العجم، فقال الناس هلكت عجل، ثم حملت بكر فوجدت عجلا تقاتل وامرأة منهم تقول إن يظفروا يحرزوا فينا الغرل إيها فداء لكم بني عجل، فقاتلوهم ذلك اليوم، ومالت العجم إلى بطحاء ذي قار خوفا من العطش، فأرسلت إياد إلى بكر، وكانوا مع الفرس، وقالوا لهم إن شئتم هربنا الليلة وإن شئتم أقمنا ونفر حين تلاقون الناس، فقالوا بل تقيمون وتنهزمون إذا التقينا، وقال زيد بن حسان السكوني، وكان حليفا لبني شيبان أطيعوني واكنوا لهم، ففعلوا ثم تقاتلوا وحرض بعضهم بعضا.

وقالت ابنة القرين الشيبانية، ويها بني شيبان صفا بعد صف، إن تهزموا يصبغوا فينا القلف فقطع سبعمائة من بني شيبان أيدي أقبيتهم من مناكبهم لتخف أيديهم لضرب السيوف، فجالدوهم وبارز الهامرز، فبرز إليه برد بن حارثة اليشكري فقتله برد، ثم حملت مسيرة بكر وميمنتها وخرج الكمين فشدوا على قلب الجيش وفيهم إياس بن قبيصة الطائي، وولت إياد منهزمة كما وعدتهم، فانهزمت الفرس واتبعتهم بكر تقتل ولا تلتفت إلى سلب وغنيمة، وقال الشعراء في وقعة ذي قار فأكثروا، وأما عن هلاك عمرة بن هند، فقيل هلك عمرو ملك موضعه أخوه قابوس بن المنذر أربع سنين، من ذلك أيام أنوشروان ثمانية أشهر، وفي أيام هرمز ثلاث سنين وأربعة أشهر، ثم ولي بعد قابوس السهرب، ثم ملك بعده المنذر بن النعمان أربع سنين.

ثم ولي بعده النعمان بن المنذر أبو قابوس اثنتين وعشرين سنة، من ذلك في زمان هرمز سبع سنين وثمانين أشهر، وفي زمانه ابنه أبرويز أربع عشرة سنة وأربعة أشهر، ثم ولي إياس بن قبيصة الطائي ومعه النخيرخان في زمان كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة، ولثمانية أشهر من ولاية إياس بعث النبي صلى الله عليه وسلم ثم ولي ازادبه بن مابيان الهمداني سبع عشرة سنة، من ذلك في زمان كسرى بن هرمز أربع عشرة سنة وثمانية أشهر، وفي زمن بوران دخت ابنة كسرى شهرا، ثم ولي المنذر بن النعمان بن المنذر، وهو الذي يسميه العرب المغرور الذي قتل بالبحرين يوم جواثاء وكانت ولايته إلى أن قدم عليه خالد بن الوليد الحيرة ثمانية أشهر.

وكان آخر من بقي من آل نصر وانقرض ملكهم مع انقراض ملك فارس فجميع ملوك آل نصر فيما زعم هشام عشرون ملكا، ملكوا خمسمائة سنة واثنتين وعشرين سنة وثمانية أشهر، وذكر المروزان وولايته اليمن من قبل هرمز، وهكذا كان هانئ بن مسعود بن عمرو الشيباني من سادات العرب وأبطالهم في الجاهلية، وهو الذي قاد العرب في يوم “ذي قار” وهو أول يوم انتصفت فيه العرب من العجم، وهو من قبيلة بنو شيبان.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.