الدكروري يكتب عن وصول الإمام علي أرض المعركة بالبصرة


بقلم / محمـــد الدكـــروري

لقد ذكرت المصادر التاريخية أنه بعد أن وصل علي بن أبي طالب إلى البصرة، مكث فيها ثلاثة أيام والرسل بينه وبين طلحة والزبير وعائشة رضى الله عنهم أجمعين، فأرسل القعقاع بن عمرو إليهم فقال للسيدة عائشة ” أي أماه، ما أقدمك هذا البلد؟ ” فقالت ” أي بني الإصلاح بين الناس ” فسعى القعقاع بن عمرو بين الفريقين بالصلح، واستقر الأمر على ذلك، وقرر الفريقان الكف عن القتال والتشاور في أمر قتلة عثمان بن عفان، وقرر علي بن أبي طالب أن يرحل في اليوم الذي يليه على ألا يرتحل معه أحد من قتلة عثمان، فاجتمع رؤوس السبئية ومثيرو الفتنة، وشعروا أن هذا الصلح سينتهي بتوقيع القصاص عليهم، فخافوا على أنفسهم، وقرروا أن ينشبوا الحرب بين الجيشين.

ويثيروا الناس ويوقعوا القتال بينهما فيفلتوا بهذا بفعلتهم، فرجع إلى علي فأخبره، فأعجبه ذلك، وأشرف القوم على الصلح، كره ذلك من كرهه، ورضيه من رضيه، وأرسلت عائشة إلى علي تعلمه أنها إنما جاءت للصلح، ففرح هؤلاء وهؤلاء، وقام علي في الناس خطيبا، فذكر الجاهلية وشقاءها وأعمالها، وذكر الإسلام وسعادة أهله بالألفة والجماعة، وأن الله جمعهم بعد نبيه صلى الله عليه وسلم على الخليفة أبي بكر الصديق، ثم بعده على عمر بن الخطاب، ثم على عثمان، ثم حدث هذا الحدث الذي جرى على الأمة، أقوام طلبوا الدنيا وحسدوا من أنعم الله عليه بها، وعلى الفضيلة التي منَّ الله بها، وأرادوا رد الإسلام والأشياء على أدبارها، والله بالغ أمره، ثم قال ألا إني مرتحل غدا فارتحلوا.

ولا يرتحل معي أحد أعان على قتل عثمان بشيء من أمور الناس، فلما قال هذا اجتمع من رؤوسهم جماعة كالأشتر النخعي، وشريح بن أوفى، وعبد الله بن سبأ المعروف بابن السوداء وغيرهم في ألفين وخمسمائة، وليس فيهم صحابي ولله الحمد، فقالوا ما هذا الرأي؟ وعلي والله أعلم بكتاب الله ممن يطلب قتلة عثمان، وأقرب إلى العمل بذلك، وقد قال ما سمعتم، غدا يجمع عليكم الناس، وإنما يريد القوم كلهم أنتم، فكيف بكم وعددكم قليل في كثرتهم، فقال الأشتر قد عرفنا رأي طلحة والزبير فينا، وأما رأي علي فلم نعرفه إلا اليوم، فإن كان قد اصطلح معهم، فإنما اصطلح على دمائنا، ثم قال ابن السوداء قبحه الله يا قوم إن عيركم في خلطة الناس، فإذا التقى الناس فانشبوا الحرب والقتال بين الناس.

ولا تدعوهم يجتمعون، ولنعلم جميعا ان الفتن تموج موج البحر وهي كالقطر وهي كالحيات وهي كقطع الليل المظلم، وبسببها يبدل الإنسان دينه، فهكذا شبه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم الفتن، فقد فصلها ووضحها وحذر منها وبيّن علاماتها وكيفية المخرج منها، بل كان يقول في الصلاة بعد التحيات ” أعوذ بالله من عذاب جهنم ومن عذاب القبر ومن فتنة المحيا والممات ومن فتنة المسيح الدجال ” وما فصل النبي صلى الله عليه وسلم الفتن وذكرها إلا لأنه رؤوف رحيم يخاف علينا، وبعد قتال مرير أفلح فريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه في عقر الجمل.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.