الدكروري يكتب عن وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا

بقلم / محمـــد الدكـــروري
الأربعاء الموافق 20 مارس 2024

 

الحمد لله خلق الخلق وبالعدل حكم مرتجى العفو ومألوه الأمم كل شيء شاءه رب الورى نافذ الأمر به جف القلم، لك الحمد ربي، من ذا الذي يستحق الحمد إن طرقت طوارق الخير، تبدي صنع خافيه، إليك يا رب كل الكون خاشعة، ترجو نوالك فيضا من يدانيه، وأشهد ألا إله إلا الله وحده لا شريك له، أسلم له من في السماوات والأرض طوعا وكرها وإليه يرجعون وأشهد أن محمدا عبد الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه أجمعين والتابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليما كثيرا، ثم أما بعد، لقد جعلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم ولأمته الأرض مسجدا وطهورا، وقد اختلف في بيان ما خصص به على الأمم قبله في ذلك فقيل إن الأمم الماضية لم تكن الصلاة تباح لهم إلا في مواضع مخصوصة كالبيع والكنائس.

وقيل كانوا لا يصلون إلا فيما تيقنوا طهارته من الأرض وخصصت هذه الأمة بجواز الصلاة في جميع الأرض إلا ما تيقنت نجاسته حكاهما القاضي عياض، وقال ابن هبيرة يعني أن الله سبحانه أباحه الأرض شرقها وغربها، وأنها جعلت له صلى الله عليه وسلم مسجدا، وهذا مما يدل على كل عاقل أن الله تعالى علم كثرة أمته، وأنه لا يسعهم مسجد ولا جامع فجعل الأرض لهم كلها مسجدا، فأباح الله سبحانه وتعالى الصلاة في كل موضع من الأرض، ثم لما علم الله عز وجل من حرص أمته على الطهور واهتمامهم بصلواتهم، أباحهم البسيطين، الثرى والماء، لطهورهم، فأوجب عليهم الطهارة بالماء إذا وجدوه، والتراب إذا عدموه، وقال ابن حجر قوله “وجعلت لي الأرض مسجدا” أي موضع سجود لا يختص السجود منها بموضع دون غيره.

ويمكن أن يكون مجازا عن المكان المبني للصلاة وهو من مجاز التشبيه لأنه لما جازت الصلاة في جميعها كانت كالمسجد في ذلك، قال ابن التين قيل المراد جعلت لي الأرض مسجدا وطهورا وجعلت لغيري مسجدا ولم تجعل له طهورا، لأن نبى الله عيسى عليه السلام كان يسيح في الأرض ويصلي حيث أدركته الصلاة كذا قال، وسبقه إلى ذلك الداودي، وقيل إنما أبيحت لهم في موضع يتيقنون طهارته بخلاف هذه الأمة فأبيح لها في جميع الأرض، إلا فيما تيقنوا نجاسته، والأظهر ما قاله الخطابي، وهو أن من قبله إنما أبيحت لهم الصلوات في أماكن مخصوصة كالبيع والصوامع، ويؤيده رواية عمرو بن شعيب بلفظ “وكان من قبلي إنما كانوا يصلون في كنائسهم” وهذا نص في موضع النزاع فثبتت الخصوصية.

ويؤيده ما أخرجه البزار من حديث ابن عباس رضى الله عنهما نحو حديث الباب، وفيه “ولم يكن من الأنبياء أحد يصلي حتى يبلغ محرابه” وقد أحل له صلى الله عليه وسلم الغنائم، وقال الخطابي كان من تقدم على ضربين منهم من لم يؤذن له في الجهاد فلم تكن لهم مغانم، ومنهم من أذن له فيه لكن كانوا إذا غنموا شيئالم يحلّ لهم أن يأكلوه وجاءت نار فأحرقته، قال ابن حجر وقيل المراد أنه خص بالتصرف في الغنيمة يصرفها كيف يشاء، والأول أصوب، وهو أن من مضى لم تحل لهم الغنائم أصلا، وقال ابن هُبيرة هذا يذكره صلى الله عليه وسلم مبينا به فضل أمته، فإنه يعني أن إيمان أمته زاد وصدق، إلى أن لا يضره تناول الغنيمة في إخلاصهم في الجهاد، فإن من كان قبلهم إنما كانت الغنائم تأكلها النار من أجل إيمان من تقدم لم يكن في قوة إيمان هذه الأمة إذ الغنائم لا يؤثر تناولها في إخلاصهم في جهادهم وإرادتهم به وجه مولاهم وخالقهم.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.