الدكروري يكتب عن نضوج الدعوة العباسية ” جزء 7″


بقلم / محمـــد الدكـــروري

مع أن مونكو خان أمر أخاه هولاكو بالمحافظة على الخلافة إن وافق الخليفة الخضوع لسلطة المغول، وقبل التوجه إلى بغداد، دمر هولاكو قبائل اللور، ومن ثم حصل استسلام الإسماعيليين، المعروفين أيضا باسم الحشاشين بعد أن حاصر حاضرتهم وهي قلعة ألموت في شمال إيران، على شواطئ بحر قزوين، ورغم ذلك قتل هولاكو الكثير منهم، باستثناء نصير الدين الطوسي وأتباعه الذين لحقوا بجيش هولاكو المتوجه لمحاصرة بغداد منذ عام ألف ومائتان وست وخمسين ميلادي، وقسم هولاكو جيشه إلى قسمين، وضرب حصارا حول بغداد بدءا من يوم التاسع والعشرين من شهر يناير سنة ألف ومائتان وثماني وخمسين ميلادي، ودمر المغول السدود وقنوات الري، ما أسهم في تدمير الزراعة، وإفاضة المياه داخل المدينة، ثم إن قصف المقالع والمجانيق، سهل سقوط استحكامات العباسيين الواحدة تلو الأخرى، حتى أحاط المغول بالمدينة من كل جانب.

وكان ذلك في اليوم الخامس من شهر فبراير عام ألف ومائتان وثماني وخمسين ميلادي، وحاول المستعصم أن يفاوض المحاصرين، لكن هولاكو رفض، واقتحم بغداد في اليوم العاشر من شهر فبراير لعام ألف ومائتان وثماني وخمسين ميلادي، مرتكبين مذابح بحق أبنائها، وبحسب بعض المصادر بلغ عدد القتلى من الجند والمدنيين مليوني شخص، بل إن المغول عمدوا إلى قتل كل من حاول الفرار من الأهالي، ويُذكر أن هولاكو أمر بنقل مقر المخيم بسبب روائح الموت المنبعثة، كما بدؤوا عمليات سلب ونهب، ثم إحراق فتلفت المكتبات وما تحويها، وقيل إن مياه نهر دجلة تحولت إلى اللون الأسود لكثرة ما رمي فيها من أوراق محترقة، وكذلك حال المساجد والقصور والجامعات أما الخليفة فقد أمر هولاكو بحبسه، ثم منع عنه الطعام والشراب حتى مات في العشرين من شهر فبراير لعام ألف ومائتان وثماني وخمسين ميلادي، لتزول بذلك الخلافة العباسية في بغداد.

وكان قد مضى ثلاث سنوات والعالم الإسلامي دون خليفة، وكانت تلك أطول فترة شغور منذ تأسيس الخلافة في القرن السابع على الرغم من أن السلطان الأيوبي في دمشق قد بايع أبا العباس أحمد خليفة، ليضفي الشرعية على سلطنته، ويجابه المماليك ذوي القوة المتصاعدة في مصر، ولقد أصبح المماليك في عهود ضعف الدولة العباسية القوام الوحيد للجيش، والمنبع الأساسي للسلطة أما مماليك مصر فقد تم استقدامهم على يد السلاطين الأيوبيين، وهم في الغالب شراكسة بيض، يتم تعليمهم القراءة والكتابة، وحفظ القرآن وفنون القتال منذ الصغر، وتولى المماليك حكم مصر عام ألف ومائتان وخمسين ميلادي، بعد انقراض السلطنة الأيوبية، ولم يعتمدوا في كثير الأحيان نظام الحكم الوراثي، بل اعتمدوا نظام التوافق من ناحية، والانقلابات بين زعماء الكتائب من ناحية أخرى، وقد توالى واحد وأربعون سلطانا مملوكيا في ست وأربعين ولاية، ووطد المماليك أقدامهم فيها.

ثم استطاعوا السيطرة على بلاد الشام والحجاز واليمن، مؤسسين بذلك سلطنة واسعة المساحة، وكان للمماليك دور بارز في حماية المشرق خلال بداية عهدهم فبعد أن اجتاح هولاكو بغداد وأسقط خلافتها، اتجه بجيوشه نحو بلاد الشام، فاحتل نصيبين، ثم الرها فحلب، ناشرا من الويلات ما حل ببغداد خلال اجتياحه لها خلال هذه الأثناء خلع سيف الدين قطز السلطان نور الدين علي بن أيبك، وقلد نفسه شؤون السلطنة، ثم حشد الجيش وخرج به من مصر نحو بلاد الشام حيث كان هولاكو، بعد أن دمر حلب، قد أحرق دمشق.وقد التقى الجيشان في معركة عين جالوت في الجليل، عام ألف ومائتان وواحد وستين ميلادي، وكانت الغلبة في هذه المعركة الفاصلة للمماليك، ثم توفي قطز على طريق العودة إلى مصر، وأصبح الظاهر بيبرس سلطانا من بعده، وكان بيبرس ناجحا في معاركه مع الصليبيين ففتح يافا وأنطاكية والقلاع المحيطة بهما، والتي بقيت عصية على الفتح.

حتى سنة ألف ومائتان وثماني وستين ميلادي، وعندما سيطر قطز على دمشق، في أعقاب معركة عين جالوت، أراد خليفتها التوجه إلى القاهرة، لكنه عدل عن رأيه واتجه إلى حلب، التي كانت لا تزال تحت حكم الأيوبيين حيث بايعه أميرها ولقبه بالحاكم بأمر الله غير أن شهرة هذا الخليفة كانت محدودة فلم يخطب له خارج إمارة حلب على عكس سائر الخلفاء، حتى عندما لم تكن لهم أية سلطة فالخطبة في صلاة الجمعة تعتبر هامة للخليفة، ولذلك فقد عمد أغلب الباحثين إلى إسقاط خليفة حلب من قائمة الخلفاء، واعتبار هذا محاولة إحياء للخلافة غير أن المحاولة الناجحة كانت على يد الظاهر بيبرس عام ألف ومائتان واثنين وستين ميلادي، فبعد أن أفاده وزراؤه بوصول الأمير أحمد بن الخليفة الظاهر بأمر الله، عقد بيبرس حفلا حضره رجال الدولة والشرع، أثبت خلاله صحة نسب الأمير، ثم تمت مبايعته بالخلافة رسميا، وتم تلقيبه بالمستنصر بالله، وأمر بأن يضرب اسمه على النقد، ويذكر في خطبة الجمعة.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.