بقلم / محمـــد الدكـــروري
واستطاع الخليفة المقتفي لأمر الله أن يستقل بحكم بغداد وجوارها عن السلاجقة المشتغلين بمحاربة بعضهم بعضا، ودعم الأسرة الزنكية التي بلغت شأنا عاليا في محاربة الصليبيين واستطاعت استعادة الرها منهم وعندما توفي عام ألف ومائة وسبعين ميلادي، بويع ابنه المستنجد بالله بالخلافة، فاستمر بسياسة والده الرامية إلى الحفاظ على استقلال بغداد وجوارها، وأرسى إصلاحات سياسية واقتصادية واجتماعية عديدة، وكان في خلافته أن خطب للعباسيين في مصر على يد الدولة الزنكية، بعد وفاة آخر الخلفاء الفاطميين العاضد لدين الله، وبذلك توحدت الخلافة الإسلامية مجددا، كما شهدت خلافته قيام السلطنة الأيوبية بقيادة صلاح الدين الأيوبي، الذي سيطر على بلاد الشام والحجاز واليمن ومصر وبرقة، واستطاع صلاح الدين في عهد الخليفة المستضيء بأمر الله استعادة القدس وعدد آخر من المدن التي كانت واقعة تحت سيطرة الصليبيين عام ألف ومائة وسبع وثمانين ميلادي.
في أعقاب معركة حطين، وتصدى للحملة الصليبية الثالثة وتلا المستضيء ابنه الناصر لدين الله الذي استطاع، كما فعل والده وجده، الحفاظ على الجزء الأكبر من العراق مستقلا تحت إدارته الفعلية لا إدارة الوزراء أو الجيش، وقد دعا عدد من المؤرخين فترة هؤلاء الخلفاء الذين استقلو بالعراق باسم فترة استعادة هيبة الخلافة، وقد توفي الناصر لدين الله، الذي اشتهر بالحكمة والحنكة، بعد خلافة طويلة دامت خمسة وأربعين عاما في أكتوبر، سنة ألف ومائتين وخمس وعشرين ميلادي، وفي الواقع إن وضع العراق، خلال عهد الناصر لدين الله، كان أفضل بكثير من سائر أمصار الدولة العباسية فبعد وفاة صلاح الدين الأيوبي عام ألف ومائة وثلاث وتسعين ميلادي، ودفنه في دمشق، اقتسم أولاده السبعة عشر سلطنته المترامية الأطراف، وكما فعل السلاجقة من قبلهم، تحارب الأمراء الأيوبيون، وشكلوا أحلافا ضد بعضهم البعض، واستوردوا قبائل تركية وشركسية، دعيت لاحقا باسم المماليك.
أما أحوال أقصى المشرق الإسلامي كبخارى وكابل وجوارهما، فكانت سيئة هي الأخرى، بسبب تعرضهما للغزو والتخريب من قبل المغول بقيادة جنكيز خان، على أن ما وصل من أخبار ذلك العصر في العراق وسواه، لا تفيد بأوضاع ثقافية جيدة أو دعم للعلوم والفنون من قبل الخلفاء وحاشيتهم، كما كان الحال في عصر الدولة الذهبي، تلا الناصر ابنه الظاهر بأمر الله، لكنه توفي بعد عام واحد فقط، وصارت البيعة لابنه المستنصر بالله عام ألف ومائتين وست وعشرين ميلادي، وقد أسس الجامعة المستنصرية، ونقل المؤرخون أنه أسس دورا لضيافة الفقراء، وإعتاق الرقيق، وفي خلافته سيطر المغول على بلاد فارس، محاذين بذلك العراق، وتوفي المستنصر في ديسمبر من سنة ألف ومائتين واثنين وأربعين ميلادي، وتلاه ابنه المستعصم بالله، آخر العباسيين في بغداد، والذي شهدت خلافته نهاية محطات مهمة في تاريخ الخلافة العباسية
منها فشل الحملتين الصليبيتين السابعة والثامنة، وهما آخر الحملات الصليبية، مما عجل في نهاية تلك الحقبة، وعموما فإنه باستثناء الحملات الصليبية الأولى والثالثة والرابعة، التي توجهت إلى القسطنطينية، لم تحقق أية حملة صليبية نصرا هاما وطويل الأمد في المناطق التي استولت عليها، وفي أعقاب الحملة الصليبية الثامنة، كانت أملاك الصليبيين الأساسية في المشرق تقتصر على أنطاكية وطرابلس وعكا كجزر متناثرة، وغير متصلة جغرافيا كذلك شهدت خلافته نهاية السلطنة الأيوبية عام ألف ومائتان وخمسين ميلادي، بعد وفاة الملك الصالح أيوب، واستلام شجرة الدر السلطنة مكانه لثمانين يوما، ليقوم جند زوجها بخلعها، والسيطرة على الحكم بانقلاب سلمي وتم انتخاب على إثره عز الدين أيبك سلطانا للبلاد، أما الحدث الثالث فتمثل بسقوط بغداد حاضرة الخلافة، على يد المغول بقيادة هولاكو خان التتري حيث سار هولاكو على رأس جيش ضخم، بأمر من إمبراطور المغول منكو خان.
الذي أمر أن يخرج معه كل ذكر قادر على حمل السلاح في الإمبراطورية، ثم انضم للجيش قبائل أرمينية وجورجية وتركية وفارسية ويرى المؤرخ آلان دمورجيه أن الجيش الصليبي المرابط في أنطاكية وطرابلس كان أيضا من المشاركين في الهجوم، وطالب هولاكو الخليفة المستعصم بالله بالاستسلام، ولكن الخليفة رفض محذرا المغول من العقاب الإلهي الذي سيحل بهم في حال هاجموا الخلافة ويشير الكثير من المؤرخين إلى أن أحد أسباب نجاح الهجوم المغولي هو الحالة الضعيفة للجيش العباسي، وتسريح عدد كبير من جنده لتقليص النفقات خلال تولي ابن العلقمي شؤون الوزارة، فضلا عن ضعف استحكامات المدينة، وعدم تقوية أسوارها ويقول ديفيد نيكول إن الخليفة، بالإضافة لفشله بتجهيز آلية الدفاع عن المدينة بشكل جيد، قد أساء كثيرا لهولاكو بتهديده إياه، إضافة إلى وثوقه المبالغ فيه لوزيره ابن العلقمي، ما أسهم في تدمير المدينة والخلافة.