الدكروري يكتب عن منهج أبو بكر بن العباس في كتابة الكبير


بقلم / محمـــد الدكـــروري


ذكرت المصادر التاريخية الكثير عن الإمام ابن مجاهد وهو أبو بكر أحمد بن موسى بن العباس بن مجاهد التميمي البغدادي، وهو صاحب القراءات السبعة، ولكن لماذا اختار ابن مجاهد هؤلاء السبعة تحديدا؟ فقيل أنه لم يكن ابن مجاهد يبحث عن قراءات سبع، ولا عن سبعة قراء حينما اتجه ببحثه هذا، غاية الأمر أنه كان يبحث عن المتواتر وصادف أنه لم يجتمع لديه من أسانيد التواتر بالشروط المعتبرة إلا سبعة، فضبطها وحررها ودوّن أصولها وفرشها، والظاهر أنه صنف أولا سبعة كتب، كل كتاب في قراءة، كلما ثبت عنده تواتر قراءة أفردها بكتاب، حتى إذا اكتمل لديه الاختيار صنف كتابه الشهير السبعة في القراءات، ومنهج ابن مجاهد في كتابه أنه بدأ بذكر أسماء القراء السبعة وأصول كل واحد منهم.

واختياراته في شأن الهمزات والإمالات والإدغامات والياءات وغير ذلك من الأصول، ثم بدأ بذكر فرش الحروف فكان يسمي اختيار كل منهم من غير توجيه للفرش، وعلى ذلك فقد دون مواضع اختلافهم في القرآن الكريم باستقصاء كامل، وقد صار منهج ابن مجاهد إماما للناس من بعده، فاقتفى أثره كل الذين كتبوا من بعده في هذا الفن، ولقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتلو بعض كلمات القرآن الكريم بلهجات متعددة تيسيرا على القبائل العربية التي كان بينها اختلاف في نبرات الصوت وطريقة الأداء، فكان فيهم من يدغم ومن يظهر، ومن يخفي ومن يبين، ومن يفخم ومن يرقق، ومن يمد ومن يقصر، إلى غير ذلك من الكيفيات المختلفة في النطق، ونتيجة لهذه الفروق التي يصعب على الناس التخلص منها سريعا.

وتوسيعا لمن يريد أن يدخل في الإسلام ويقرأ القرآن أمر الله نبيه أن يقرئ كل قبيلة بلغتها وما جرت عليه عادتها، وقد عبر عن هذا قوله صلى الله عليه وسلم “إن هذا القرآن نزل على سبعة أحرف فاقرءوا ما تيسر منه” وقد اختلف العلماء في تعيين السبعة، والأشهر أنها لغات قريش وهذيل وثقيف وكنانة وتميم واليمن وهوازن، وفي عهد أبي بكر الصديق كتب القرآن كله على الترتيب الذي تلقاه هو ومن معه من الحفظة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بنفس الألفاظ ونفس الحروف ونفس الصورة في العرضة الأخيرة التي تدارس فيها الرسول القرآن مع جبريل عليه السلام بعد تمامه، ثم جمع القرآن في عهد عثمان بن عفان في مصحف واحد اقتصر على حرف واحد من الأحرف السبعة.

وهو حرف قريش، وكتب عدة نسخ منه أرسلت إلى الأمصار، وأمر عثمان بإحراق ما عدا هذه المصاحف، وأن يلتزم القراء بما جاء في مصحفه ويطرحوا ما عداه، وتلقت الأمة ذلك بالطاعة والقبول، وتركت القراءة بالأحرف الستة الأخرى، بين جمع الصديق وجمع ذي النورين اختلف الجمعان في الباعث والكيفية، فالباعث لدى أبي بكر رضى الله عنه، لجمع القرآن كان خشية ذهابه باستشهاد كثير من حملة القرآن في معركة اليمامة، في حين كان الباعث لدى عثمان بن عفان كان كثرة الاختلاف في وجوه القراءة، وكاد الأمر يتحول إلى فتنة تعصف بالمسلمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.