بقلم / محمـــد الدكـــروري
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أما بعد، إن مما يندب فعله في هذه العشر الإكثار من الصدقة إذ الصدقة فيها أفضل من الصدقة في رمضان، وبالصدقة ينال العبد الخير والحفظ والبركة والمغفرة والأجر العظيم المضاعف وتفتح بها أبواب الخير وتغلق بها أبواب الشر، وبها يحبه الله ويحبه الخلق، ومما يندب فعله في هذه العشر الإكثار من الصيام، فلو صام بعض الأيام التسعة أو كلها لكان ذلك مشروعا، لأن الصيام من العمل الصالح، وآكدها اليوم التاسع لغير الحاج، فعن أبي قتادة رضي الله عنه قال.
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم “صيام يوم عرفة إني أحتسب على الله أن يكفر السنة التي بعده والسنة التي قبله” رواه الترمذي، وإن أفضل الأعمال الصالحة في هذه الأيام الإهلال والتقرب إلى الله بالحج فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال “سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم أي العمل أفضل؟ قال إيمان بالله ورسوله، قيل ثم ماذا؟ قال الجهاد في سبيل الله، قيل ثم ماذا؟ قال حج مبرور” رواه البخارى ومسلم، وقال صلى الله عليه وسلم “من حج فلم يرفث ولم يفسق رجع من ذنوبه كيوم ولدته أمه” وقال صلى الله عليه وسلم “العمرة إلى العمرة كفارة لما بينهما، والحج المبرور ليس له جزاء إلا الجنة” رواه البخاري، وعن السيدة عائشة رضى الله عنها قالت، قلت يا رسول الله نرى الجهاد أفضل العمل أفلا نجاهد؟ قال”لكن أفضل الجهاد حج مبرور” رواه البخاري.
ونذكر هنا بأنه لا يجب الحج إلا مع الاستطاعة ومن الاستطاعة في هذا الوقت الحج بطريقة نظامية، والله لا يكلف نفسا إلا وسعها وكذلك من الأعمال الصالحة في هذه العشر صلاة يوم العيد، حيث قال تعالى “فصلى لربك وانحر” والمراد بالصلاة في هذه الآية هى صلاة عيد الأضحى، بل حث النبي صلى الله عليه وسلم على حضور حتى النساء فيها، ومن أفضل القربات الأضحية في العاشر من هذه العشر وأيام التشريق الثلاثة بعده وهي سنة مؤكدة عند جمهور العلماء ينبغي الحرص عليها، وبعض الفقهاء يرى وجوبها على القادر، ومن الأحكام المترتبة على من أراد أن يضحي ما ورد في قوله صلى الله عليه وسلم “إذا دخلت العشر وأراد أحدكم أن يضحي فلا يمس من شعره ولا من بشره شيئا” وفي رواية لمسلم أيضا، قال صلى الله عليه وسلم.
“فلا يأخذن من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي” رواه مسلم، فينبغي لنا أن نسابق في هذه العشر إلى كل عمل صالح، ونكثر من الدعاء والاستغفار، ونتقرب إلى الله بأنواع القربات، حتى نكون فيها من الفائزين الرابحين، فسارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم، وهذه المسابقة إلى مغفرة الله ورضوانه وجنته تكون بالسعي بأسبابها من التوبة والاستغفار، والبعد عن الذنوب، والمسابقة إلى رضوان الله بالعمل الصالح، والحرص على مرضاته على الدوام، من الإحسان في عبادته، والإحسان إلى خلقه بجميع وجوه النفع، والمسارعة في الخير رغبة فيما عند الله، ولهذا سارعوا في الخيرات، فيكون همكم هو ما يقربكم إلى الله، وإرادتكم هو ما ينجي من عذاب الله، فكل خير تسمعوا به، أو سنحت لكم الفرصة إليه انتهزوه وبادروه.
فقد نظر أولياء الله أمامهم، ويمنيا وشمالا في أنواع البر وطرق الخير فنافسوا فيها، وسلكوها، جدوا وشمروا في سلوكها، وتحصيل أجرها، والنبى صلى الله عليه وسلم قال” بادروا بالأعمال فتنا قطع الليل المظلم، يصبح الرجل مؤمنا، ويمسي كافرا، أو يمسي مؤمنا، ويصبح كافرا يبيع دينه بعرض من الدنيا ، بادروا بالأعمال الصالحة قبل تعذرها والإشتغال عنها بما يحدث من الفتن المتكاثرة المتراكمة كتراكم ظلام الليل، المشغلة للإنسان الملهية، بما فيها من الأهوال عن هذه الأعمال الصالحة، لله در أقوام بادروا الأوقات واستدركوا الهفوات، فالعين مشغولة بالدمع عن المحرمات، واللسان محبوس في سجن الصمت عن الهلكات، والكف قد كفت عن الشهوات، والقدم قد قيدت بقيد المحاسبات، والليل لديهم يجأرون به بالأصوات.
فإذا جاء النهار قطعوه بمقاطعة اللذات، فكم من شهوة ما بلغوها حتى الممات، إنما الليل والنهار مراحل، ينزلها الناس مرحلة بعد مرحلة بعد مرحلة لينتهي إلى آخر سفرهم، انقطاع السفر عن قريب ما هو، والأمر أعجل من ذلك، فتزود لسفرك، واقض ما أنت قاضى من أمرك، فكأنك بالأمر قد بغتك، ويخيل لك أنك مقيم بل أنت دائب السير تساق مع ذلك سوقا حثيثا، الموت موجه إليك، والدنيا تطوى من ورائك وما مضى من عمرك فليس براد عليك، سبيلك في الدنيا سبيل مسافر ولا بد من حمل عدة.